إذا كانت المرأة نصف المجتمع- كما يحلو لنا أن نردد دومًا- فلماذا نحرص أن يظل هذا النصف متخلفًا؟ وهل يتقدم مجتمع ونصفه متخلف؟
عالج الدكتور فرج أحمد فرج فى كتابه «محاضرات فى علم النفس العام» قضية خروج المرأة إلى العمل، وما ترتب على ذلك من مشكلات، فيقول: «إن العامل الحاسم الذى جعل الإنسان إنسانًا هو نوعية علاقته بالعالَم المادي، وهى نوعية قوامها العمل». وفى موضع آخر من كتابه يقول: «لا يكفى أن نقول إن المرأة نصف المجتمع، ذلك أن اضطراب وتخلف هذا النصف لا بد وأن ينعكس على النصف الآخر- الرجل- فيضطرب المجتمع كله، إذ لا يمكننا الزعم بأنه من الممكن أن تكون المرأة وحدها هى المتخلفة وأن يظل الرجل متقدمًا».
ويشرح المؤلف خضوع وخنوع المرأة للرجل فى مجتمعنا من خلال تناول بعض الأمثلة الشعبية، فهناك مثلان شعبيان دارجان يترددان كثيرًا على ألسنة نساء مصر، المثل الأول منهما يقول: «يا مآمنة للرجال يا مآمنة للمية فى الغربال»، ويقول المثل الثاني: «قصقصى طيركِ ليلوف على غيركِ».
يشير المثل الأول إلى استحالة أن يكون الرجل أهلًا لثقة المرأة والائتمان إليه، ويشير الثانى إلى ما يجب أن تقوم به المرأة مع زوجها من تجريده من كل ثروة أو مال كى لا يُقْدِم على الزواج بغيرها. وذلك كله طبيعى ومفهوم ما دام الرجل هو العائل الوحيد لها، بفقده تفقد كل سند لها فى الحياة، ويترتب على ذلك تبعية المرأة الكاملة للرجل وخضوعها له مع خوفها الدائم من تخليه عنها، الأمر الذى يدفعها إلى اصطناع كل الطرق للحفاظ عليه.
يرى المؤلف أن دور المرأة فى المجتمعات المتخلفة يقتصر على إشباع مطلبين شهويين لا ثالث لهما، هما الجوع والجنس، هذا هو دور المرأة «ست البيت»، وهذا الدور يحدد لها دوافعها وقيمها ومطالبها واتجاهاتها... إلخ، وهذا الدور الذى ينادى بأن «البيت» هو المكان الذى خُلِقَت له المرأة، إنما يعنى استبعادها من مجال الحياة الإنسانية التى هى فى جوهرها عمل اجتماعى منتج يتحقق من خلال تغيير البيئة أو الوسط المادى وتطويعه لاحتياجات الإنسان ومطالبه المتطورة دائمًا.
إن مَنْ ينادى بأن «البيت» هو المكان الذى خُلِقَت من أجله المرأة، إنما يطالب بأن يقتصر دور المرأة فى هذه الحياة على الدور البيولوجى الشهوي، ويصبح محور حياتها علاقتها بجسمها من حيث هو موضوع رغبة الرجل، فى الوقت الذى يصبح محور حياة الرجل علاقته بعمله، وبالتالى يتحول اهتمامه بجسمه إلى النظر إليه من حيث هو وسيلته للقيام بدور إنتاجي، لذلك لا يتسم جسم الرجل بذلك القدر من الشهوية الذى يتسم به جسم المرأة، بعبارة أخرى يحقق الرجل شعوره بذاته من خلال عمله، وتحقق المرأة شعورها بذاتها من خلال جسدها، وبخاصةٍ مفاتن هذا الجسد. وفى واقع الأمر، يرجع هذا الفارق إلى عزلة المرأة عن مجال العمل طوال حقب تاريخية كاملة، ويتضح هذا بدقة أكثر لدى المرأة البورجوازية فى المجتمع الرأسمالي.
من جانب آخر؛ فإن تأكيد أهمية «الموضة» وأنواع الطلاء والأصباغ والحلي... إلخ، والإسراف فى إبرازها عن طريق الصحافة، ومختلف أجهزة الإعلام، ودور السينما، والمسرح... إلخ، دليل على ترسيخ الدور القديم للمرأة من حيث هى دمية تتزين لتأسر الرجل وتخلب عقله بمفاتنها الجسمية. إن هذا التقليد الساذج لكل ما يظهر فى دول أوروبا الغربية من موضات هو أمر مرفوض، صحيح إننا لا نطالب بإلغاء أنوثة المرأة أو القضاء على كل تزيـُّن وتجمُّـل، ولكننا نرفض النظر إلى المرأة بوصفها مجرد جسد أو دمية، تتزين لإرضاء الرجل، وإشباع غرائزه. فالمرأة إنسان- مثلها مثل الرجل- لها كل الاحترام، لها عقل وفكر ومشاعر، لها مقدرة وإرادة، يجب أن نحترم فيها هذه السمات والخصال كما نحترمها ونقدرها فى الرجل.
يؤكد الدكتور فرج أحمد فرج، أن المرأة ليست مجرد كائن جنسي، بل هى كائن إنسانى كامل له مطالبه الإنسانية الاجتماعية والذهنية، بجانب مطالبه الجنسية المشروعة، إن المجتمعات السليمة تضع الجنس فى موضعه الصحيح من حياة المرأة، بحيث لا يطغى على بقية جوانب حياتها، ودون أن يبتلع حياتها كلها.
ويذهب المؤلف إلى ضرورة التخطيط لدور المرأة فى المجتمع، ذلك التخطيط الذى لا يجب أن يقتصر على مجرد إتاحة الفرصة للتعلم، بل لا بد من رسم المعالم الجديدة لحياة المرأة الشاملة الواسعة بكل قيمها وأبعادها الثرية فى المجتمع. إن خروج المرأة إلى العمل يقتضى تغيير موقفها من ذاتها ومن العالَم ومن الآخرين. لا شك أن تخلف المرأة يعطى دلالة واضحة على تخلف الرجل أيضًا. كما أن انتشار المعرفة فى المجتمع فى عصر العلم والتكنولوجيا، لا بد أن يؤدى إلى تقدم جميع أبناء المجتمع، ولا يمكن أن نتصور تقدم الرجال دون النساء، أو أن التفاهم والتجاوب يمكن أن يتم بين نصف بالغ التقدم (هم الرجال) وآخر كامل التخلف. إن هذا الأمر لا يمكن تصوره. مرة أخرى نقول:
إن تخلف المرأة سيؤدى إلى تخلف المجتمع بأسره، وإن رقيها سيؤدى إلى تقدمه بالكامل.