يبدو أنه قد آن الأوان أن تتبرأ مواقع التواصل الاجتماعي من الفوضى التى ساعدت فيها كلاعب أساسي، والتي كانت تحسبها خلّاقة، ذلك أن عددًا من الدول الغربية بدأت البحث فى كيفية تقنين مواقع التواصل الاجتماعي من خلال شقين، الأول هو المكاسب الخرافية التى تحققها هذه المواقع من الإعلانات، و"بالتالي" خضوعها للضرائب، والثاني مدى مسئوليتها ومساهماتها فى بث الأخبار الكاذبة والملفقة التى أثرت بالسلب على المناخ العام فى عدد من البلدان، وهو الأمر الذي يمكن محاسبة تلك المواقع عليه.
ففي خلال الفترة الماضية دار سجال عالمي حول الموقع الأشهر عالميًّا لعرض المقاطع المصورة "يوتيوب"، والذى بدأ سياسة جديدة لغلق كل القنوات دون الألف متابع، كما أن القنوات المتاحة ستحتاج إلى أربعة آلاف ساعة من وقت المشاهدة السنوي، بالإضافة إلى محاربة سرقات المحتوى التى تدر دخلًا مهولًا من إعلانات محرك البحث الأشهر عالميًّا "جوجل" لسارقي المحتويات الإخبارية والإعلامية والمصنفات الفكرية بكل أشكالها وأنواعها، ذلك بدلًا من أن تذهب حصيلة هذه الإعلانات لمنتجي المحتوى الأصليين من وسائل الإعلام التقليدية.
لا شك أن قصة الأزمة التى تواجهها مواقع التواصل الاجتماعي أعقد مما تبدو عليه، فمن جهة بدأت تلك المواقع بشعار تشجيع صحافة المواطن، وإشراكه فى صنع الخبر، ونقله والتعليق عليه، وديمقراطية التغطيات الخبرية، لكن سريعًا ما عرف رأس المال طريقه إلى هذه السوق، وظهر عدد ضخم من المعلنين وحصيلة ضخمة من الإعلانات التى تشاركها شركات مثل "جوجل" و"فيسبوك" مع أصحاب المحتوى، حتى وصلت الحرب مداها لتحقيق أعلى المشاركات والزيارات، واستخدمت فيها كل الوسائل الشريفة وغير الشريفة.
آثار هذا النمط الاستهلاكى الموجّه الذى خلقته تلك الشركات الضخمة واستحوذت على بديل جديد للوسائل المتعارف عليها بصناعة الإعلام، والتى اهتز عرشها التي قامت لسنوات طويلة بتشييده والحفاظ عليه، ثم ما لبثت أن بدأت تتكيف معها، وأصبح لكل منصة إعلامية منبر على كل مواقع التواصل الجتماعي، بل إن بعض الوسائل الإعلامية الجديدة بدأت كمنابر على مواقع التواصل الاجتماعي ثم تحولت إلى مواقع وجرائد مطبوعة.
الآن تحاول بعض الدول مع هذه الشركات العملاقة السيطرة على هذا الكم اللا نهائي من العشوائية والفوضى، خاصة بعد أن جنت تلك الشركات مليارات الدولارات منها وجلبت لنا نحن المستهلكين النكبات، واحدة تلو الأخرى، بسبب انتشار الأخبار المضللة ونشر الشائعات والفتن التى أدّت دون مبالغة لتحقيق مكاسب لبعض التوجهات فى غاية الدناسة وأسهمت فى تقسيم وتخريب أوطان، وقتل وتشريد ملايين البشر.
بالإضافة إلى السرقات التي تمت والتجارة غير المشروعة وتوفير الدعم اللوجيستي للجماعات والتنظيمات الإرهابية،
لذا فكثيرًا ما طرحت قضية تقنين استخدام مواقع التواصل الاجتماعى، لكن للأسف اتسمت غالبية الاتجاهات بجهل تكنولوجى هائل وقصور شديد في الرؤية والاستهداف، مما جعل كل التصورات للتعامل مع الخروج عن المألوف في استخدام تلك المواقع يبدو سخيفًا ويصل لحد السخرية بين رواد مواقع التواصل الاجتماعى.
ما يعنينا هنا أننا يجب أن نبحث عن طريقة لتقنين استخدام مواقع التواصل الاجتماع لتنقية المحتويات المتداولة من الأخبار الكاذبة والمضللة، سواء التجارية أو السياسية، والتى تهدف لتوجيه المواطنين صوب خيار دون آخر، أو إشعال الأزمات الطائفية والمذهبية فى مناطق دون أخرى.