في سخافات النهار ما قد ينشغل به المرء من حركة وصخب وسعى يستنزف الوقت خلف متطلبات الحياة اليومية ومتاعبها الصغيرة ذات التوجه المادي الخالص، ومع قدوم الليل تتراكم جملة الهموم والمنغصات التي تتجاوز التفاهات والعكارات الماسخة، ويتجسد فيها الابتلاء الذي يرهق الروح «موج البحر» تعبير محايد لا يوحي للوهلة الأولى بعنف أو رقة، كراهية أو محبة، لكن استدعاء الصورة في غرفة هادئة مسدلة الستائر، أو خيمة رحيبة مغلفة بالظلام والوحشة، يعني بالضرورة لعنة القلق وشدة الحصار.
في الليل متسع للعشاق والمرضى والخائفين والمسكونين بهموم شتى تزرع أشواك التوتر والقلق، واستدعاء موج البحر ليلًا يوحي بكابوس الغموض الدامس الذي تعز فيه الحركة، ويهيمن الرعب الكابوسي مجهول المصدر، الذي يسهل الإحساس به ويستحيل إدراك معانيه.
مزعج موجع هو الليل في زنزانة القهر، والنهار في الزنزانة نفسها لا يقترن بالأمان والتخلص من الرعب، لكن الهم في الليل يبدو موغلا في القسوة. مع الصفاء والهدوء، يتوحش ضجيج الصمت ويبدو الفرق حتميا.
بيت امرؤ القيس عابر للأزمنة والأمكنة والثقافات، ولكل إنسان ليله المستعمر بأمواج الهموم وستائر الوجع.