هل كانت إحدى مهام الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال فترة ولايته الأولى مساعدة الأحزاب والقوى السياسية، وإيجاد آليات لتحركها وسط الجماهير بخطاب يستطيع منازلة ما يطرحه الرئيس ذاته من استراتيجيات وخطط عمل، على نحو يمكن تلك الأحزاب من بناء معارضة قوية تستطيع تقديم مرشح للانتخابات الرئاسية لعام ٢٠١٨ تتوافر فيه شروط المنافس القوي.
أغلب من يصنفون أنفسهم كمعارضين يحملون الرئيس مسئولية عجز الأحزاب، ويتهمونه بغلق المجال العام وممارسة سياسات قمعية تضيق الخناق على معارضيه، لكن أصحاب هذا النوع من الإجابات النمطية التى نسمعها منذ أيام الرئيس الأسبق حسنى مبارك لا ينظرون إلى المسألة بكافة أوجهها، ولا يطرحون الأسئلة المعاكسة. هل تمتلك الأحزاب والقوى السياسية الكوادر المؤهلة للعمل السياسي؟! وهل لديها برامج ورؤى واضحة لكافة قضايا الوطن وخطاب سياسى وثقافى واجتماعى يستطيع التفاعل مع المجتمع؟!
بفرض صحة إدعاءاتهم بشأن تبنى الرئيس سياسات قمعية، فإن وجود كوادر سياسية مؤهلة ومسلحة بخطاب قادر على الدخول فى حوار مع السلطة والمجتمع كان سيعمل حتما على تقويض السياسات القمعية والتقليل من أثارها السلبية على الواقع السياسى المصري.
الحقيقة أن المغلق ليس المجال العام، وإنما هى عقول النخبة السياسية التى أصدرت حكما على نفسها بالسجن المؤبد داخل مجموعة من الأفكار والتصورات النمطية القديمة.
عدم القدرة على التفاعل مع المتغيرات الحديثة دفع تلك النخبة إلى ذلك السجن الاختياري، مما جعلها تنتج ذات الخطاب فى كل مرحلة تعاصرها، وهذا ما يفسر قصورها العقلى فى التمييز بين خطاب سياسى معارض للنظام، وآخر ثورى «راديكالي» يحرض عليه وقد يذهب بعيدا إلى هدم أركان الدولة، لذلك تجد بعضهم يعتبر جماعة الإخوان الإرهابية فصيلا وطنيا معارضا، لا كيانا معاديا للدولة المصرية.
غباء النخبة السياسية ليس سمتها الوحيدة، فهى فوق ذلك انتهازية ولا أقول براجماتية، ذلك أن البراجماتى مخلص وحكيم، ويبحث دائما عن سبل تطوير قدراته، أما الانتهازى فلا تهمه سوى الفرصة التى يسعى لاقتناصها مهما كان الثمن، لذلك هو شخص بلا مبادئ أو ثوابت فكرية.
والانتهازية ليست سمة جديدة على واقعنا السياسى وقد تجلت أبرز مشاهدها فى بدايات التجربة الحزبية الحديثة منتصف السبعينيات من القرن الماضى، عندما هرول نواب وأعضاء بحزب الأحرار المعارض إلى حزب مصر العربى الاشتراكى، الذى كان يمثل الحكومة برئاسة ممدوح سالم، بعد إنشاء السادات ما عرفت بالمنابر، وعندما قام الرئيس السادات بتأسيس الحزب الوطنى الديموقراطى عام ١٩٧٨ هرول جميع أعضاء حزب مصر لينضموا إلى حزب الرئيس خلال ٢٤ ساعة فقط.
وبنفس المنطق تحالف حزب الوفد مع جماعة الإخوان الإرهابية فى انتخابات البرلمان عام ١٩٨٤، وعلى نفس المنوال تبنت جريدة العربى بعد مغادرة رئيس تحريرها السابق الكاتب الصحفى الراحل عبدالله إمام منهج جريدة الشعب فى معالجة أزمة رواية «وليمة لأعشاب البحر»، حيث فتح رئيسا تحريرها عبد الله السناوى، وعبد الحليم قنديل صفحاتها لكتاب جريدة الشعب بعد توقفها عن الصدور، ليبثوا أفكارهم الظلامية ودعواتهم التحريضية باسم الإسلام، رغبة منهما فى انتهاز الفرصة لكسب جمهور جريدة الشعب، وكان ذلك بمثابة تنازل عن المنهج التنويرى للتيار الناصري.
مشاهد الانتهازية تكررت فى تحالف القوى الليبرالية والناصرية واليسارية مع جماعة الإخوان رغم تاريخها مع الإرهاب دون قيد أو شرط ضد حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، ومنها أيضا تحالف حمدين صباحى مع الإخوان فى انتخابات برلمان ٢٠١٢، ودعم رموز التيار المدنى للجاسوس مرسى فى الانتخابات الرئاسية فيما عرف باجتماع فندق فريمونت الشهير.
أما أحدث مشاهد الانتهازية، فهى هرولة كل القوى الثورية وراء جماعة الإخوان الإرهابية نحو دعم الفريق أحمد شفيق، حين أعلن نيته الترشح، ثم هرولتها بنفس الطريقة لدعم الفريق سامى عنان، حتى أن بعض أقطابها من أنصار الناشط الحقوقى خالد على أعلنوا تصويتهم لعنان رغم خلافهم السياسى والأيديولوجى معه. من المستحيل أن ينجح الانتهازيون فى بناء حياة سياسية سليمة، ناهيك عن بناء جدار للمعارضة الوطنية بحسب تعبير بعضهم، لهذا غاب المنافس القوى فى سباق الانتخابات الرئاسية لعام ٢٠١٨.