ما أتذكره يناير ٢٠١٨، عن ٢٥ يناير مصر ٢٠١١، اقتراح أصدقاء لى من مُثقفى البلاد أن أوقع نسخا من كتابى (ليبية فى بلاد الإنجليز - خديجة عبدالقادر - الصادر ٢٠١٠) على هامش أنشطة معرض القاهرة الدولى للكتاب، (فى المقهى الثقافى)، وقد تحمست وفرحت بالفكرة المُقترحة فور دعمهم بل ووعدهم بمساعدتى فى ترتيب ذلك أيضا، جهزت عددا من النسخ قاربت ٥٠ نسخة، وحجزتُ للرحلة تذكرة ذهابا وإيابا تتوافق مع أيام المعرض!، وأتذكر مصادفة رفقتى بالرحلة (طرابلس - القاهرة) لموظفات من مركز البحوث والدراسات التاريخية (مركز الجهاد الليبى سابقا)، وقد سبقهم زملاؤهم وقاموا بوضع إصدارت المركز فى المساحة المخصصة لهم بالمعرض، كما أكدت لى ذلك مسئولة الموظفات، وجرى أن تشاركنا أحاديث أخرى ومنها جديد كتبهم التى ستنزل فى جناحهم، وكون رحلة الطيران على متن خطوطنا الليبية! فقد تأخرت عن موعدها فأخذنا الحديث وصارحتهن أن السبب الرئيسى لحضورى هذه السنة لمعرض الكتاب بالقاهرة، توقيع نسخ من كتابى، كما دعوتهم أيضا لأمسية التوقيع مبدئيا!.
حين وصلت توجهت إلى سكن صديقة لى، وهى أستاذة موفدة لإكمال رسالة الدكتوراة فى العلوم الاجتماعية، كنت أعلمتها فى اتصال مسبق بزيارتى للقاهرة، وقد ألحت على بالنزول عندها وصارحتنى ضاحكة أنها تريد الحصول على نسخة كتابى قبل أن يضيع حظها به مساء التوقيع، وحقيقة ما جرى فيما بعد بأيام أنى غادرت شقتها إلى المطار، وتركتُ عندها صندوق النسخ إلى حين!، من شرفة شقتها (البلاكونة) شاهدت خروج الدبابات مرورا بحى صلاح سالم متجهة إلى قلب القاهرة.. كما حضرتُ الكثير من المواقف الشجاعة والنبيلة من حراسة شباب الحى تطوعا ليل نهار لمنطقة عريضة من الشقق السكنية، ثم طرقهم لأبواب بعضهم البعض والسؤال عن الحاجة التى بإمكانهم المساعدة بتوفيرها، وكان لنا نصيب أنا وصديقتى، كونهم انتبهوا إليها كمغتربة ووالدتها المُسنة، وعندها ضيفة طارئة تنزل فى هكذا ظرف، خاصة وأن انقطاع التيار الكهربائى جعل العمارة السكنية موحشة مع افتقاد عمل المصعد، ساد الظلام الدامس الذى فيه بشكل متقطع الأصوات الصاعدة المُتعددة النبرة رجال نساء أطفال إلى أماكن شققها، تعطلت المخابز وصارت الطوابير عندها، وتم افتقاد الخبز اليومى بحينا، وأتذكر شابة نزلت من سيارتها وأخرجت كيسا كبيرا ممتلئا بأكياس صغيرة بها ستة إلى ثمانيةـ أرغفة، وطلبت من الشباب مساعدتها فى منحها للعائلات الفقيرة بالحى.
بالنسبة لى وأنا أواصل الانتقال التليفزيونى من محطة لأخرى، بريموت العاجل إلى عاجلٍ آخر، أول الصباح وحتى تباشير صباح اليوم التالى، والمباشر من ميدان التحرير، سادت حالة حمى المنافسة الفضائية على الخبر العاجل، جرى التحرى من صدقه أم أنه ملفق انحيازا لطرف دون الآخر. فشلتُ فى الوصول إلى الميدان رغم اتصالاتى بصحفيات مصريات صديقات لى.
وكان أن عدت من القاهرة إلى طرابلس عقب أسبوع من بدء تاريخ الثورة.
حال عودتى كتبتُ عبر مقالى الأسبوعى فى ركن (يا حزاركُم) بصحيفة «الشط» (وهى جريدة محلية تخص أخبار ونشاطات مدينة طرابلس) عن ما لفت انتباهى وترك أثرا، تلك الشعارات التى رُفعت من جماهير ميدان التحرير، ومشاركة الشباب المصرى فى تلك الثورة، وكان أن اتصلت بى رئيسة التحرير، وأعلمتنى بحذف الرقابة لتلك الأسطر، وبتحفظهم وأن لا حل إلا إنزال المقال دون تلك الإشارات، كانت الأوضاع فى ليبيا أيضا تتنفس أصداء ثورتى تونس ومصر، قررتُ وضع المقال كما هو على صفحتى بـ«الفيسبوك وتويتر»، وأشرتُ لقصة الرقابة، وحذف موقفى ووجهة نظرى فيما يجرى فى مصر الذى هز الأرض، وكانت ليبيا فى الموعد أيضا.