«كناطحٍ صخرةً يوما ليوهنها
فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل»
في بيت الأعشى حكمة ظاهرية لا يصعب الوصول إليها، قوامها لعنة العناد الذي يختلط بالجهل والغباء، ويفضي بالضرورة إلى سلوك عبثي لا محصول له إلا التعب. كيف لقرون الوعل أن تخدش وتضير صخرة صلبة تستعصى على ضربات واهنة واهية لا تقوى على إلحاق الأذى؟.
قد يرتقى المعنى الظاهر ليشير إلى الإنسان الذي يقوم بمهمة مستحيلة، في مبارزة غير متكافئة ومباراة لا ندية فيها ولا أمل في تحقيق الانتصار.
ما الذي يحول دون المزيد من التحليق، وتجاوز الأطر المادية التقليدية الأكثر شيوعا في التعامل مع البيت؟. أليست معركة الإنسان مع الوجود وألغازه القاسية بمثابة إعادة إنتاج لفكرة الوعل الذي يشتبك بقرنه الهزيل الهش المتواضع مع صخرة صماء يستحيل تحطيمها بمثل هذه الأداة الضعيفة؟.
ما يهدف إليه الشاعر ليس ملزما للقارئ، فقد يجد في النص ما لا يراه المبدع نفسه. الحياة صخرة خرافية لا تدرك العين أبعادها الخارقة، والإنسان يشبه الوعل الساذج. كلاهما يغتر بالقليل الذي يملكه ويتوهمه كثيرا: القرن والعقل.
ينفق المرء عمره ناطحا، مسكونا بوهم امتلاك الوعي والقدرة على الوصول إلى جوهر الحقيقة وتحطيم صخرة الألغاز، ولا يدرك إلا بعد فوات الأوان أنه يبحث عن السراب في صحراء بلا ماء أو ظل.