■ تناولنا على مدار (خمسة) مقالات سابقة تحليل أسباب الظاهرة الإرهابية فى حالتنا المصرية، وأشرنا إلى تزييف البعض لتلك الأسباب وعدم إدراكهم ذلك الفرق بين ما هو أساسى منها وماهو فرعى، كما فرقنا بين «الأسباب» و«الآليات» التى يتوسل بها الإرهابيون فى مصر.
■ كما أكدنا على جذور الإرهاب السياسى وليس الدينى، معتبرين أن الخطاب الدينى المغلوط لم يكن سببا رئيسيًا للإرهاب فهو قديم وتراثى وموجود فى كل البلاد الأخرى حولنا، وإنما كان يمثل ذلك الفكر مجرد «رافعة نصية» يتوسل بها الإرهابيون لا أكثر لإلباس أهدافهم السياسية الخبيثة ثوبًا دينيًا محضًا حيث رفضنا تحميل ابن تيمية وغيره سبب إخفاقاتنا!!.
■ وأكدنا أيضا على تلك «الفراغات» التى تسللت منها جماعة الإخوان طوال سنين مضت، وشددنا على أنه يجب الاهتمام باستكمال تسديد تلك الفراغات ورتق تلك الثقوب خلال فترة الرئيس عبدالفتاح السيسى الثانية «حالة نجاحه» فى الانتخابات المقبلة، وأن نسهر على ذلك ونعطى له الأولوية القصوى على ما عاداه من إنجاز وطنى تتطلبه بلادنا حاليًا.
■ ورددنا أسباب حدوث تلك الفراغات واتساعها والتى تسللت جماعة الإخوان الإرهابية منها إلى التباس شديد لدى من حكمونا سابقًا فى «مفهوم الدولة»، ثم تاليًا إلى التباس لديهم أيضًا فى «أدوار الدولة» تلك، ثم ثالثًا فى تبنى أدوار هى ليست للدولة أصلًا، ثم رابعًا فى التركيز على أدوار السلطة حصرًا وخصوصًا فى عهد الرئيس الأسبق مبارك بشكل غير مسبوق، وعلى مدار ٣٠ عاما، مما مكن تنظيم الإخوان الإرهابى وبعض الجماعات السلفية الطائفية من الإحلال محل الدولة فى أدوار عديدة وخصوصا مع الفقراء ومعدومى الدخل من خلال جمعيات أهلية وعمل كان له الأهداف محض سياسية طبعًا.
■ ولقد أنهينا تلك السلسلة من المقالات بتأكيدنا على أن عودة الدولة لأدوارها فى حماية المواطنين، والسهر والتركيز على حل مشاكلهم، وإنهاء أو تخفيف عذاباتهم هو الشرط الشارط والحل الكفيل بإبطال «خطر» الإرهاب وليس نهاية الإرهاب، فالإرهاب جريمة لن تنتهى، ناصحين بضروة استعادة الدولة لأدوارها كاملة وبضرورة وأهمية المراوحة بين أدوار السلطة وأدوار الدولة، وعدم الانسحاب من أدوار أساسية للدولة فى مجالات عديدة مهمة مثل الصحة والتعليم والأمن والعدالة والخدمات والتشغيل وشبكات الضمان الاجتماعى للمهمشين، والتى أولاها الرئيس السيسى اهتمامًا بالغًا وعدد فى آلياتها (معاش ضمان / معاش تكافل / معاش كرامه / تسديد ديون الغارمات...)
■ ثم أكدنا فى مقالنا (السادس) على ضرورة إسقاط ما أطلقنا عليه «الرافعة النصية» للإرهاب وهى الرافعة التى «يتوسل» بها الإرهابيون فى مشروعهم الذى يستهدف اختطاف الدولة المصرية ومحاولة تصحيح تلك المفاهيم الدينية المغلوطة ومراجعتها والاهتمام بطرح قراءة جديدة للنص الدينى تخلصه مما لحق به من أفكار مغلوطة وتفك أسره وتطلقه إلى آفاق عالمية.
■ لكن كان حريا بنا أن ننهى طرحنا بمقال اليوم (وهو السابع والأخير فى الموضوع) والذى نشير فيه إلى مسألة مهمة نرصدها، وهى أن «خطر» الإرهاب فى مصر مختلف حصرًا عن خطره فى فرنسا أو أمريكا أو ألمانيا أو اليابان، بل إنه مختلف أيضًا فى دول الجوار العربى مثل السعودية أو الإمارات أو الكويت أو سلطنة عُمان أو المغرب أيضا.
■ فالإرهاب فى فرنسا مثلا لايعدو أن يكون «جريمة جنائية» كما هى كذلك فى محيطنا العربى، بينما خطر الإرهاب فى مصر مختلف كليًا، فالجماعة تطرح نفسها فى مصر كـ«دولة بديلة» و«نظام بديل للنظام القائم» حيث تجاوزت الجماعة بداياتها الإرهابية الأولى فى أربعينيات القرن الماضى عندما كانت تمارس جرائم إرهابية حصرًا (مقتل أحمد باشا ماهر أو النقراشى باشا أو مقتل المستشار أحمد الخازندار أو مقتل حكمدار القاهرة اللواء سليم زكى) أوتفجيرات إرهابية (متاجر اليهود أو مسارح أو دور السينما).
■ جماعة الإخوان الإرهابية وتنظيمها فى مصر تقدم نفسها كبديل للحكم وإدارة شئون الدولة، تبنى التنظيمات فى كل ربوع البلاد فى كل قرية ونجع، وفى كل حى وشياخة، وفى كل مركز ومحافظة، وقد عاشت تمارس أداورا سياسية وتنفذ من فراغات تركتها الدولة وتقدم مرشحين فى جميع الدوائر الانتخابية وتستخدم اللعبة الديمقراطية لتبتلع الدولة بأكملها، وهى تتوسل بالدين وتتاجر به وتلعب أدوارا اجتماعية لا حصر لها وتخترق معظم أجهزة الدولة ومؤسساتها بخلاياها النائمة!!.