«عن الدهر فاصفح إنه غير معتبِ.. وفي غير من قد وارت الأرض فاطمعِ»
لا ينتظر الدهر من يعفو عنه ويصفح، وكيف يعبأ القوى الجبار العتى بالضعفاء المتهافتين، الذين لا يملكون من الأمر شيئا؟. الندية ليست مطروحة منذ البدء، والتكافؤ وهم لا موضع له في العلاقة. الصفح هنا يعنى الرضا الاضطراري والتسليم والانسحاب والإذعان غير المشروط للهزيمة وتداعياتها، والشاعر المأزوم لن يكون آخر الضحايا.
فقد الابن كارثة يصعب استيعابها والتعايش معها والتسليم بوقوعها، والإنكار هو الوسيلة الوحيدة للتفاعل مع المحنة القاسية، التي قد تطيح بالعقل وتزهق الروح. لعامٍ كامل يواظب أرطأة على زيارة قبر ابنه، منتظرا أن ينهض ويعود معه. إنه الوقوف على حافة الجنون، والمحطة الأخيرة هي اليأس، والوصول إلى يقين الغياب، الذي لا عودة بعده. من تواريه الأرض لا يعود، والطموح ينصَّب على الأحياء الذين يبرهنون بوجودهم على فكرة انتصار الحياة خارج ساحة المقابر وانتظار المستحيل.
قد يكون صحيحا أن السلام مفهوم مختلف جذريا عن الاستسلام، لكن المهزومين في معركة الوجود يخلطون الأوراق عمدا، ويتوهمون ما يمنحهم بعض الثقة التي تتيح الاستمرار في الحياة، ولا لوم عليهم لأنهم لا يكذبون، بل إنهم يتجملون.