«عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى وصوَّت إنسان.. فكدت أطير »
الاستئناس بعواء الذئب منطقى مبرر، فالوحش الشرس يخضع للغريزة ولا تتعدد أقنعته ولا يخفى نواياه. يخوض صراعاته بشرف يخلو من الغدر والازدواجية، ويقتل أو يُقتل في مواجهات شريفة متكافئة. الأزمة مع الإنسان، ذلك الكائن الغرائبى المزعج الذي لا يؤتمن، ولا يعرف في حروبه إلا المراوغة والتربص والخديعة، فكيف لا يخيف ويبث الذعر؟.
الأحيمر السعدى لص محترف وقاطع طريق، لا يرفع في حياته وشعره لواء الفضيلة وادعاء الشرف. مثل الفرنسى المعاصر جان جينيه، يكتسب الحكمة والمعرفة من تجارب ومغامرات موغلة في الشر والانحراف والابتعاد عن السلوك السوىَّ الشائع. لا شأن للنص بحياة ومسيرة مبدعه، ولا شك أن الأحيمر يقدم رؤية فلسفية وجودية عميقة، ليس لأنه من عتاة المثقفين المنظرين، بل من وحي الخبرة والاحتكاك بالواقع الإنساني المضطرب المزعج المسكون بالفوضى والتخبط.
صرخة عفوية صاعقة مثل الطلقة التي تدوى فتزعج، بقدر ما فيها من صدق مؤلم. لا ينتصر للوحش كما يبدو للوهلة الأولى، ولا يتحامل على الإنسان ويعاديه. إنه يرصد ويقدم توصيفا دقيقا، وعلى من يشكك في حكمته أن يلقى نظرة عجلى على صفحات كتاب التاريخ الإنساني، الملوث بأطنان من الدماء وجبال من الجثث.