• لعل قطاعًا كبيرًا من أبناء الشعب المصرى، وبخاصة من أبناء الجيل الحالى وبالأخص الشباب لم يشهد أو يعاصر ظاهرة الطوابير التى كانت فى فترة السبعينيات والثمانينيات وحتى التسعينيات، إحدى الملامح الأساسية فى مصر، وكانت لأبناء الطبقة الفقيرة ومحدودى الدخل من أجل الحصول على كرتونة بيض أو زجاجة زيت والحصول عليها من منافذ المجمعات الاستهلاكية لشركتى «الأهرام والنيل»..
• وفور ورود أنباء فى المناطق الشعبية المكتظة بالسكان عن وصول سيارة البيض أو الزيت والسكر إلى أحد هذه المنافذ يتسارع حاملو بطاقات التموين للوقوف فى طوابير طويلة تمتد لعدة ساعات لحين الحصول على كرتونة بيض أو كيلو سكر وزجاجة زيت..
• وتلاشت واختفت هذه الطوابير تدريجيا مع إعلان الرئيس الراحل أنور السادات عن سياسة الانفتاح الاقتصادى وبدء تطبيق سياسة الاقتصاد الحر، وتوافرت هذه السلع لجميع المواطنين دون الحاجة للوقوف فى طوابير وأيضا طوابير الخبز، ولكن طوابير أنابيب البوتاجاز ظلت مستمرة حتى عدة سنوات قليلة مضت رغم توسع الدولة فى توصيل الغاز الطبيعى للمنازل..
• ووقوف المواطنين فى هذه الطوابير للحصول على الحد الأدنى من احتياجاته الأساسية من المواد الغذائية كان مدعاة لحديث الغضب بسبب نقص هذه الاحتياجات وتوجيه سهام النقد والاتهامات للحكومة لفشلها الذريع فى توفير هذه السلع لأبناء تلك الفئات من الفقراء ومحدودى الدخل، بينما يحصل أعضاء الاتحاد الاشتراكى العربى، وكان التنظيم السياسى الأوحد على هذه السلع من الأبواب الخلفية بعيدا عن عذاب الطوابير..
• وهناك طوابير أخرى ما زالت موجودة ومستمرة، ولكن ليس للفقراء ومحدودى الدخل وإنما للأغنياء والقادرين الذين يرتادون الفنادق ذات الخمس نجوم ألا وهى طوابير الأومليت فى مطاعم هذه الفنادق خلال الفترة الزمنية المحددة لوقت الإفطار لرواد هذه الفنادق؛ حيث يقف عدد كبير حاملين الأطباق الصينى للحصول على الأومليت..
• ورغم أن الوقوف فى طابور الأومليت الصباحى اختيارى وليس اجباريا، فإن غالبية المصريين رواد هذه الفنادق، يفضلون الوقوف فى طابور الأومليت، إما للحصول على أومليت سادة والبعض يطلب الحصول على أومليت بالجبنة، والآخرون يفضلون الأومليت بالمشروم، والبعض الآخر أومليت عيون أو أومليت بالخضراوات..
• وطابور الأومليت يبدو أحيانا غريبا ونشازا لبعض رواد الفنادق من المصريين الذين لم يعاصروا طوابير البيض والزيت والسكر وأنبوبة البوتاجاز، ولذا يأتى تصرفهم فى طابور الأومليت بعيدًا عن الالتزام بالقواعد التى تحكم عملية الطوابير والنظام فيها، ويحاولون بشتى الطرق الحصول على طلباتهم من الأومليت سريعا، واختراق نظام الطابور بعكس المصريين الذين عاصروا الطوابير فهم أكثر التزاما بالقواعد فى طابور الأومليت..
• وبلا شك أن الحديث خلال الوقوف فى طابور الأومليت لا يتضمن أى نبرة غضب من الحكومة كما يحدث فى الطوابير الأخرى، ولكن الحديث أحيانا يدور حول الصفقات المالية الكبرى وأسعار العملة وأيضا الموقف فى بورصة الأوراق المالية لأثر ذلك فى جيوب وثروات بعض الواقفين فى طابور الأومليت..
• والغريب أن عددا كبيرا ممن يقفون فى طوابير الأومليت يتركون النصف فى الأطباق دون أدنى تفكير فى قطاع عريض من فقراء مصر ومحدودى الدخل الذين هم أيضا فى أشد الاحتياج إلى وجبة أومليت سادة وليس بالمشروم أو الجبنة، وإن ترك هذا النصف ليذهب إلى صناديق القمامة جريمة يرتكبها الواقفون فى طوابير الأومليت..
• وربما يأتى الوقت لكى ترتفع بعض الأصوات لمطالبة الحكومة بإيجاد حل لمشكلة طوابير الأومليت داخل الفنادق، وأن تبحث وزيرة السياحة عن حلول لتلك المشكلة التى قد تهدد السياحة الداخلية للمصريين خاصة فى فترة الأعياد وإجازة نصف العام، أو يوجه بعض النواب طلبات إحاطة تحت قبة البرلمان حول طابور الأومليت..
• وربما تدفع ظاهرة طابور الأومليت للقادرين والأغنياء لطرح اقتراح فى المستقبل لانشاء صندوق تبرعات الأومليت بحيث يبادر كل مصرى يقف فى هذا الطابور أن يدفع تبرعا ماليا فى هذا الصندوق بقيمة واحدة أومليت سادة لأحد المصريين الفقراء بشعار «أومليت لى وأومليت ليك»..
• فقيام الواقفون فى طوابير الأومليت داخل الفنادق بقبول هذا الاقتراح والعمل على تنفيذه عن طيب خاطر وبرضاء كامل منهم دون الحاجة إلى فرض ضريبة الأومليت عليهم، يعنى رسالة مصرية أصيلة للتكافل الاجتماعى ولأول مرة من يقف فى طابور يتبرع لمن لا يقف فى هذا الطابور.