الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

المرأة والجنس

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تحت هذا العنوان: «المرأة والجنس» كتب المرحوم الدكتور فرج أحمد فرج المفكر اليسارى وأستاذ علم النفس السابق بآداب عين شمس فى كتابه محاضرات علم النفس العام، قائلًا: 
«إن تحرير المرأة تحريرًا حقيقيًا لا يتأتى إلا بتحرير المجتمع بأسره، رجالًا ونساءً، وتحرير الحياة بجميع جوانبها جسدًا وعقلًا وعملًا منتجًا». 
وأشار الدكتور فرج إلى أنه كثيرًا ما يقال أن موضوع الجنس والحياة الجنسية عند الإنسان من أكثر الأمور تعقيدًا وإثارة للحرج، ويبلغ ذلك أقصاه لمن يحاول الإحاطة بالموضوع إحاطة تامة، تستهدف النفاذ إلى أصوله الاجتماعية والاقتصادية من خلال تصور تاريخى شامل. 
ويذهب المؤلف إلى القول بفضل التحليل النفسى فى كشف جانبين متناقضين للحياة الجنسية: الجانب الأول، حيث الجنس هو «حاجة» Need خالية من أى معنى أو دلالة، والجانب الثاني، حيث الجنس هو «رغبة» Desire لها بناؤها وشكلها ومعناها وسياقها التاريخي.
«الحاجة» هى الأساس والمستوى الأدنى، هى الطاقة الخام، و«الرغبة» هى الشكل الإنسانى التاريخي، هى رغبة واعية فى موضوع بعينه. الموقف هنا مماثل للحاجة إلى الطعام، وهى حاجة بيولوجية، والنشاط الإنتاجى الاجتماعي، ومحدد تاريخيًا، وهو الشرط الإنسانى الضرورى الذى من خلاله وبواسطته تأخذ الحاجة إلى الطعام شكل الرغبة المحددة تاريخيًا، وشكل إشباعها وتحقيقها.
ومن منظور يسارى يربط المؤلف بين الجنس والنظام الاجتماعى السائد، فيقول: 
«إن الكثير مما يبدو لنا أنه من خصائص النساء، أو من خصائص الرجال، هو فى حقيقة الأمر نتاج لدور اجتماعى إنتاجى يقوم به المرء رجلًا كان أو امرأة».
فالنظام الاجتماعى أو بعبارة أدق «نظام الملكية» يمثل دعامة لفهم الشخصية بعامة، وشخصية الرجل والمرأة، وبالتالى فمن يملك أدوات الإنتاج تختلف شخصيته عمن لا يملك ذلك، وعلى هذا يجب علينا أن نفرق بين وضع المرأة فى الستينيات من القرن الماضي، أى وضعها فى عصر عبدالناصر الذى سادت فيها ملكية الدولة لأدوات الإنتاج، وعصر السادات ومبارك الذى ساده الانفتاح الاقتصادي، وكان المتحكم فى السوق حفنة من كبار المستثمرين أغلبهم رجال، منذ ذلك الوقت احتل مفهوم الملكية مكانة كبيرة انعكس على علاقة الرجل بالمرأة، وموقفه منها، بوصفها موضوع ملكية لا بد من الحفاظ عليه والحرص على إخفائه، ومن ثمَّ تصاعدت - منذ ذلك الحين - ظاهرتا الحجاب والنقاب، ولا بد من أن نشير إلى حرص أصحاب التيار الدينى على استغلال ظاهرة تحجب المرأة استغلالًا سياسيًا، بوصف هذه الظاهرة معيارًا لقوة هذا التيار وتغلغله فى المجتمع، ومن ثمَّ حرص أصحاب هذا التيار على استخدام كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لتضخيم هذه الظاهرة، والعمل على استفحالها فى المجتمع.
عرض المؤلف فى كتابه تفسيرًا اقتصاديًا سياسيًا للجنس - قدمه بعض الباحثين الغربيين - للقيود الجنسية وخاصةً تلك المفروضة على المرأة، من حيث هى قيود ذات أهداف سياسية نهائية، أى تستهدف إقصاء المرأة بعيدًا عن ميدان الإنتاج الاجتماعي. ويرى هذا التفسير فى جموح القيود الجنسية على الأطفال والمراهقين والشباب من الجنسين أدوات قهر سياسي، وإن الأمر فى نهاية المطاف هو تكوين شخصية معادية للمطالب الشهوية الجنسية، شخصية تنظر إلى هذه المطالب بوجل وخوف وتستشعر الإثم والندم. وهذا التكوين هو بعينه ما يجعل المرأة تنظر إلى القهر السياسى من قِبَل السلطات الحاكمة بوصفه أمرًا مقبولًا. 
يتساءل الدكتور فرج: «إذا ما كان الكبت الجنسى هو المدخل إلى القهر السياسى للمرأة، أفلا يكون نقيضه المتطرف مدخلًا له نفس الهدف، وإن اختلف طريق الوصول؟». نعتقد أنه إذا كانت المجتمعات المنغلقة والمتخلفة التى تتسربل برداء الدين - والدين منها براء - تجرد المرأة من إنسانيتها، وتردها إلى مستوى بيولوجى بدائي، مستخدمة فى تحقيق ذلك مختلف أشكال القهر والتخويف والوعيد والتهديد بحيث يستقر فى وجدان المرأة أنها مجرد جسد يجب إحكام الرقابة وفرض القيود عليه. فإن نقيض ذلك لا يختلف عنه كثيرًا. إذ إن أجهزة الصناعة والتجارة والإعلام فى الغرب، وفى المجتمعات التى تقتفى أثرها، تروج للمرأة بوصفها سلعة، تنظر تلك المجتمعات إلى المرأة على أنها مجرد جسد، جسد جميل ومثير وجذاب يجب كشف وإظهار محاسنه ومفاتنه، لتصبح المرأة مجرد دمية جميلة للعرض على الرجال وإثارة إعجابهم. إن النساء يصبحن بهذه الصورة «جوارى العصر الحديث».
يرفض المؤلف هذين الموقفين المتناقضين من المرأة، ويرى: «أنه لا بد أن يحتل العقل والعمل مكانهما بجوار الجسد». وهكذا نتبين عقم وسطحية وزيف النظرة الخاطئة نحو تحرير المرأة من الظلم الرجل لها، إن تحرير المجتمع بأسره هو تحرير للمرأة والرجل معًا. إن مصير المرأة فى المجتمع الإنسانى لا ينفصل عن مصير الرجل.