الوقوف إلى جانب ثورة المصريين فى الثلاثين من يونيو عام ٢٠١٣ ضد الاحتلال الإخواني، ومواجهة الإرهاب بصدر مكشوف، أهم إنجاز يحسب للرئيس عبدالفتاح السيسى وفق اعتقاد الكثيرين.
إنجاز جعله يفوز بحب الملايين التى رأت فيه الزعيم الوطنى القادر على استعادة دولتهم والحفاظ على هويتهم المصرية.
لكن تلك الملايين اعتقدت أن استعادة الدولة تعنى تحريرها من حكم المرشد وفقط، ولم تكن تدرك فى زخم ثورتها ضد جماعات الإرهاب أن من بين عناصر استعادة الدولة تثبيت أركانها وركائزها الرئيسية المتمثلة فى فرض هيبة القانون، وبناء مؤسساتها على قواعد صارمة تعالج ما أصابها جراء سنوات الترهل قبل يناير ٢٠١١ وأعوام الفوضى فيما بعدها.
جانب من النخبة فى بعض النقابات المهنية ومؤسسات المجتمع المدنى «أحزاب سياسية وجمعيات حقوقية» لم يرق له اتجاه الدولة نحو استعادة هيبة القانون، وفرضه بقوة نصوصه ومشروعيته الدستورية، واعتبر ذلك جنوحًا نحو الاستبداد والتسلط بل وقمعا للحريات.
وتحولت صحف وقنوات الإخوان المعادية إلى منابر تظهر فيها وجوه مدنية وحقوقية تطلق عبر منصاتها الأكاذيب والشائعات التى تستهدف عظم الدولة المصرية.
بعودة الأمن إلى الشارع وتراجع نسب الجريمة الجنائية واختفاء حوادث الخطف والسرقة فى وضح النهار جعل المصريين يدركون معنى استعادة هيبة القانون وأداروا ظهورهم لأكاذيب وادعاءات النشطاء السياسيين والحقوقيين. أحلاف الإرهاب من الحركات والأحزاب المسماة بالثورية لم تكن لديها الشجاعة الكافية لمناصرة جماعة الإخوان خلال العامين والنصف التى تلت ثورة الثلاثين من يونيو، لكنها كانت تتحرك فى فلك الإخوان خفية تحت ستار حقوق الإنسان والمنظمات الدولية، لكنها وبعد بدء أولى خطوات برنامج الإصلاح الاقتصادى بدأت تكشف عن حقيقة ارتباطاتها، مستغلة ضجر المصريين بإجراءات الإصلاح الاقتصادي، وهو أمر طبيعى بالنسبة لشعب عاش لعقود فى ظل نظام اقتصادى مشوه.
تثبيت أركان الدولة وبناء مؤسساتها واستعادة هيبة القانون، وإحداث تغيير جذرى فى بنيتها الاقتصادية أمور لا تنفصل عند الحديث عن تدشين دولة مدنية ديمقراطية حديثة.
فمن دون المؤسسات والقانون تفقد الدولة صفتها المدنية وتتجرد الديمقراطية من معانيها الصحيحة، وتصبح مجرد يافطة تبرر الفوضى وعدم الانضباط وكل ذلك يضيع هباء دون نظام اقتصادى حديث ينهض بكل قطاعات الإنتاج ويعيد تشكيل وضبط العلاقات الاقتصادية فى المجتمع.
لذلك حرص مشروع عبدالفتاح السيسى على المضى قدما فى تلك المسارات بالتوازى مع محاولة تغيير الخطاب الدينى والثقافى والسياسى المسيطر فى المجتمع لما خلفه من أمراض ليس أولها الإرهاب، كما أن الفساد والرشوة والانتهازية ليست آخرها.
إنجاز السيسى الحقيقى لا ينحصر فى الوقوف ضد الاحتلال الإخوانى ومواجهة إرهابه فقد نجح فى استعادة هيبة القانون لدى العامة، وساعدهم على تغيير نمط استهلاكهم بفضل إجراءات الإصلاح الاقتصادى على قسوتها. ولنعترف جميعا أن تعاملنا مع الكهرباء وكم ما نشتريه من السلع قد تغير للأفضل حتما، وإذا كنا نتأسى بالقيم الغربية فلماذا لا نحذو حذو مواطنيها عند شراء ما نحتاجه من سلع غذائية، هناك تشترى الأسرة احتياجاتها من الأشياء بالقطعة.
المصانع ومشروعات الاستزراع السمكى ومحطات توريد الكهرباء واستصلاح الأراضى الزراعية والقضاء على العشوائيات ومشروعات الإسكان بتنوعها، بل حتى قرار تحرير سعر الصرف «تعويم الجنيه» عنوان لشجاعة زعيم اختار الطريق الصعب الذى قد يفقده شعبية الملايين، لكن لا يفقده محبتهم، أهم ما فى الأمر أنه تحلى بالأخلاق الحميدة وقيمة الصدق عند اتخاذه أول قرار صعب، وهو تحرير سعر العملة حينها، وبحسب ما أعلنه ضمن كشف الحساب رفض نصيحة مستشاريه بتأجيل القرار إلى أن يمر يوم ١١/١١/٢٠١٦، الذى وصفته جماعة الإرهاب بثورة الغلابة، وقال «لن أخدع المصريين»، وفى ذلك قمة التحلى بالخلق والصدق والشجاعة فهو يضحى بشعبيته بالضبط، كما سبق ووضع رقبته على كفه فى مواجهته مع إرهاب الإخوان المدعوم قطعا أمريكيا وصهيونيا.
هذه القيم هى الإنجاز الحقيقى الذى يجعل من السيسى زعيم التغيير والثورة على كل ما هو قديم ورث بدءا من إعادة بناء النظام السياسى والاقتصادى، وصولا إلى تغيير الخطاب الدينى والثقافى وهو أمر بلوغه حتمى إذا اكتمل مشروعه.