«فقل للذي ينهى عن الوجد أهله.. إذا لم تذق معنى شراب الهوى دعنا»
على الصعيدين المادى والمعنوى، يعادى العاديون من الناس، وهم الأغلبية الساحقة، ما يجهلون. يلوذ هؤلاء بأحكام وقوانين محنطة سابقة التجهيز، ويبرعون في تقديم النصائح الماسخة الفجة، ذات الطلاء الباهت الذي يوحى ظاهره بالعقل والحكمة. ليس أسهل عندهم من طرح العلاج السريع لكل مشكلة، وفي ساحة الحب يفتون برعونة فيستفزون العشاق. يتصدى أبو مدين لهم، مسلحا بضبط النفس والحرص على تجنب الاشتباك والصدام العبثى. غاية ما يطلبه أن يلتزموا الصمت، فهو يعى أنه لا جدوى من حوار لن يفضى إلى شيء، وكيف لمن لم يذق معنى الحب أن يستوعب بعض معاناة الغارقين فيه؟.
ليس مثل كلمة «دعنا» في تجسيدها العميق المكثف للزهد الأصيل في المناقشة البعيدة عن الجدية، فلا متسع للتواصل مع المحرومين من نعمة ولذة الحب، المجترئين بجهلهم زاعمون أنهم بارعون قادرون على الاستيعاب والفهم، والنهي والأمر، وارتداء مسوح الإدراك الخائب، والقدرة الهزلية على التشخيص والعلاج.
ينحصر طموح التلمساني في فض الاشتباك، وفي ثنايا البيت الهادئ غضب مكتوم يترجم شعور اليأس، وينأى عن الاهتمام بما لا يستحق الاهتمام، كأنه يقول: عندنا معشر المحبين من الهموم ما يغنينا عن مجادلة السفهاء.