في سبيل الله ، ولنصرة الحق ، ولقتال الظلمة والمرتدين، هكذا فعلوها وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
ذكر بيان جماعة أنصار بيت المقدس أن تفجير مديرية أمن الدقهلية عمل بطولي عظيم، قام به أحد المجاهدين الذين يحتسبونه شهيدا، وأنه تم اختيار الساعة الثانية صباحا لتنفيذ العملية حرصا على أرواح المصريين المسالمين.
كل هذا الدم لنصرة الإسلام ، وكل هذا الفزع والترويع لدحر أعدائه، كأنهم يصرون أن يلطخوا سماحة الإسلام ببقع سوداء من الجهل والغدر والكراهية، كأنهم يشطبون دعوة النبي محمد "صلى الله عليه وسلم" العظيمة بأقلام من ضلال، كأنهم ينفذون مخططات أعداء الدين والوطن حرفا حرفا ، ويفتخرون بغدرهم وخيانتهم وسفكهم للدماء ، فاللهم إكفينهم وانصر دينك العظيم.
يفتخرون بالغدر ويسمون ترويع الآمنين عملا بطوليا ويحتسبون مرتكبه شهيدا، هل هناك "شيزوفرنيا" أكثر من ذلك؟، لقد قتلوا رجالا ساهرين على أمن الناس دون جريرة ، ونثروا الخوف والفزع في قلوب سكان مدينة المنصورة، كأنى بالقاتل المهووس يتوضأ بطمأنينة ، ويرتدى ملابسه في هدوء ، ثم يقرأ ما تيسر من آيات القرآن ويقود سيارة الموت في برود نحو الهدف ، صامتا ، صابرا ، محتسبا أنه يبدأ رحلته إلى الجنة، وعلى مدى دقائق قليلة قد يفكر فيها لحظات بما سيفعله فيتصور أنه ينتحر في سبيل نصرة الدين، يضغط بثبات زر المفجر ويبتسم في لا مبالاة .
يتناسى القاتل قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض"، يغفل عن وصايا الرسول: "إن دماءكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا"، ينسى تحذيره: "من روّع آمنا روعه الله يوم القيامة"، يصرخ الآمنون هلعا ، وتتناثر الأشلاء ، ويعم الخراب ، ويلتقي القاتل وقتلاه عند ربهم في دار العدل ليقضي بينهم فيقتص الضحايا منه فردا فردا .
مثل القاتل كـ "عبد الرحمن بن ملجم" قاتل علي بن أبى طالب كرّم الله وجهه، والذي حكى عنه الإمام الذهبي ما يلي: "طلب عمرو بن العاص من عمر بن الخطاب أن يرسل إليه من يعلّم المصريين القرآن ويفقههم في دينهم، فبعث الخليفة أحد حفظة القرآن اسمه عبد الرحمن بن ملجم الواردي، كان الرجل حافظا لكتاب الله ، ومتفقها في الدين ، مجيبا عن تساؤلات المسلمين الجدد حول المسائل المختلف بشأنها، وكانت علامة الصلاة ناصعة في جبهته ، كان صواما قواما ، فارسا مغوارا ، شهد فتح مصر وتدارس القرآن على يد معاذ بن جبل .
في يوم ما انقلب هذا الرجل إلى شيطان أعمى، في صلاة فجر يوم 19 رمضان سنة 40 من الهجرة رأى المصلون بمسجد الكوفة سيفا يهبط فوق رأس صهر الرسول ، وتلميذه الأنجب ، علي بن أبي طالب الذي دعا الرسول صلى الله عليه وسلم الله أن يوالي من يواليه ويعادي من يعاديه، صرخ القاتل في تشفٍّ: "الحكم لله ، لا لك"، فردّ علي بمقولته الشهيرة: "قول حق أريد به باطل".
وسأل علي قاتله - وهو يودع الدنيا تحت تأثير ضربة السيف - عما دفعه إلى أن يفعل ما فعل ، فأجاب "بن ملجم" بأنه شحذ سيفه لمدة أربعين يوما ، ثم دعا الله أن يقتل به أشقى أهل الأرض ، فساقته نفسه لقتل علي باعتباره مُنتزعا للحكم من الله، فقال له علي: "سُتقتل بهذا السيف"، ودعا أنصاره أن يقتلوه به قصاصا بعد موته.. وكان.