تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
يتابع الكاتب الفرنسي إريك يونس جوفروا مؤلف كتاب المستقبل الروحاني للإسلام بقوله: هذه العلامات والآيات تتجه نحو المعنى الأساسي للوحي والمشروع الإلهي الذي يكمن داخله ضمنيًا. فى الواقع أن هذا الأمر مطلوب منا كل يوم، وممارسة الذكر، أي التذكر والتضرع لله ليس له هدف آخر. فالهدف بالنسبة للإنسان هو أن يعود إلى أصله عن طريق دفعه لأن يدرك دائمًا بشكل أفضل معنى خلق الكون وخلقه هو أيضا. والآن نطرح هذا السؤال كشيء مضاد للأصولية الحرفية الشكلانية المسيطرة حاليًا هل نستطيع أن نتحدث عن أصولية روحانية أو بالأحرى نزعة تأسيسية روحانية مضادة؟.
فى كل الأحوال لا يستطيع أى دين أن يعيش فى تناغم مع عصره إلا إذا أتاحت له روحانيته أن «يتعالى» على عالم الأشكال والظواهر أو يحولها ويغيرها.
للوهلة الأولى تبدو أطروحة طارق رمضان جذابة؛ فهو يدعو إلى الانتقال من إصلاح «التكييف والأقلمة»، إلى إصلاح التغيير والتحويل. «الأول يفرض على الفكر الديني والفلسفي والشرعي أن يتأقلم مع تطور المجتمعات والعلوم والعالم»، «أما الثاني، أي إصلاح التحويل والتغيير، فإنه يزود نفسه بالوسائل الروحية والفكرية والعلمية لتغيير الواقع أو التأثير عليه».
لكن على الرغم من جاذبية الأطروحة فإنها تبقى تقليدية مرتبطة بالمصادر المؤسسة لأصول الفقه والتشريع، وهى مصادر تتطلب أصلا المراجعة والنقد وليست معصومة على عكس ما يتوهم رمضان، كما أنها -أي أطروحة رمضان- تظل مرتبطة بالسلطة الدينية فى الساحة الإسلامية.
فى الواقع أن طارق رمضان يظل ملتصقًا بالتدين المعياري التقليدي السائد فى العالم العربي أو الإسلامي، ولا أحد يعرف ماهية الشيء الذي تدعو إليه نداءاته الكريمة من أجل المزيد من الروحانية، لا أحد يعرف ما الذي يقصده بالضبط بكلمة روحانية.
طبقًا لمعايير الإبيستمولوجيا الصوفية، فإن الإصلاح الإسلامي، لن يتمكن من توليد المعنى بما فيه الكفاية كي يكون معنى متينًا صالحا، (فالمعنى) بصفته حقيقة داخلية، لا مرئية، لشيء ما يحيا بشكل مستقل عن الدعامة المادية التى تشكلها (الصورة) الظاهرية لهذا الشيء، ويمكن لهذا المعنى أن يتجلى أو لا يتجلى، لكنه هو الذي يحمل الحياة فى طياتها دائمًا.
أما الصورة السطحية الظاهرية فإنها إذا حرمت من معناها الحيوي، تنشف وتجف وتموت عن طريق التصلب والتطرف والجمود، وهذا ما حدث للإسلام طيلة عصور الانحطاط. وهذا ما نلاحظه بشكل خاص فى كل أشكال حركات التزمت الديني سواء أكانت إسلامية أو مسيحية أو يهودية. بالتالي فلا جدوى من تبديل القشرة بقشرة أخرى؛ وذلك لأن الثمرة الموجودة داخلها هي التى ينبغي أن نجددها انطلاقًا من «القلب» أو «اللب».
الروحانية هي كالنواة العائشة فى حاله انصهارية دائمة والتى تنعش غلاف الصورة الدينية وتعدل من شكلها بحسب الحالة والحاجة.
لا يمكن أن يحظى الاجتهاد بأي إجماع لأنه بطبيعته صادر عن الجهد الفكري لشخص فرد، وهذا الشيء ينطبق على الاجتهاد الروحاني بالدرجة الأولى لأنه متأثر بالذاتية أكثر من سواه؛ ذلك أنه بأي معيار يمكن أن نقيس حجم الإلهام والكشف؟ من يستطيع أن يقيسه على ضوء معيار القرآن والسنة بالطبع كما كان المتصوفة قد أكدوا مرارًا وتكرارًا؟.
لا يوجد غيره، لكن ذلك لا يمنعنا من القول بأن هذا المنظور المنفتح للاجتهاد، أى المنظور الروحاني، لا يعبأ بالسيطرة العقائدية التى تمارسها أوساط الفقهاء عادة على الفكر الإسلامي، فهؤلاء لا يعترفون للاجتهاد إلا بفعالية إجرائية محدودة ومحصورة داخل نطاق معين.
ولكن يمكن أن نقول الشيء نفسه عن اجتهاد المصلحين «العقلانيين» المعاصرين، فهؤلاء إذا لم يكن اجتهادهم قد تبخر فى فكر ما بعد الاجتهاد، فإنه لم يعد يتقيد أكثر من المتصوفة بالمعايير القديمة والبالية لممارسة الاجتهاد.. وللحديث بقية.