« صاحِ هذى قبورنا تملأ الرحب فأين القبور من عهد عادِ؟»
الأجمل الأعمق والأصعب من الأسئلة لا ينتظر إجابة، والشاعر الممتلئ بالشعر هو من يفيض به الوجع وتمزقه عواصف الحيرة، لكنه يأبى إلا أن يروَّض المرارة والقسوة ما استطاع إلى ذلك سبيلا، فإذا به فيلسوف متأمل برئ من داء التعقيد المربك. لا يزعم في تأملاته هذه أنه يكتشف الخارق غير المسبوق عند السابقين، ولا يباهى بالوصول إلى حقائق جديدة لا يعرفها غيره. إنه ينفرد فحسب بالصياغة السلسلة العذبة التي تسلب الأشواك من حديقة القلق، وتمهد للتجوال في دروب الوعي والمعرفة، أو ما يشبه الوعي والمعرفة.
هيهات هيهات أن يكتمل الإدراك الناضج الصحيح بفكرة الحياة، دون استيعاب للدور الخطير الذي تلعبه حقيقة الموت في تشكيل رؤية الإنسان، أي وكل إنسان، تجاه الوجود الهش المحدود المؤقت، الذي يصطدم بحتمية الغياب وضرورة إخلاء الساحة للوافدين. كل راحل يفجَّر القضية التي قد تتوارى أحيانا، لكنها لا تغيب أبدا. المشهد المهيب للقبور ساعة الوداع، حيث جلال الموت وهيبته، يطرح السؤال المزعج، القديم الجديد، عن تاريخ الموت؛ التاريخ الذي يقترن بميلاد الحياة.
ملايين ملايين القبور منذ بدء الخليقة، ولا شيء يبقى منها إلا العشرات أو المئات، تلك التي تتحول بدورها إلى أطلال بفعل الزمن، فمن يقوى على مواجهة السؤال مستحيل الإجابة؟.