« تعالى الله يا سلم بن عمرو
أذل الحرص أعناق الرجال»
الفارق شاسع بين الحكيم الأصيل ذي النزعة الفلسفية العميقة، وليدة الثقافة وتراكم التجارب، ومن يصنعون الحكمة كأنها الدواء المركب في معمل ملحق بصيدلية، يتطلب بعض الجهد والكثير من الصنعة بلا إبداع.. شعر أبي العتاهية لا يروق للكثيرين ممن يضيقون بالافتعال والانفعال الزائف، لكنه يتوهج أحيانًا فيصل إلى صياغة مكثفة موجزة دالة، يُضرب بها المثل ويرددها الملايين ممن يجهلون اسم الشاعر، ولا يُعرف عنهم حب الشعر.
ليس في الشطر الأول من البيت ما يبشر بمحصول جيد من الشعر الحقيقي، فالصياغة أقرب إلى النثر الماسخ سيئ المذاق، كأنه التثاؤب الطويل الممل الذي يسبق النوم ويدعو إليه، ثم تحل اليقظة فجأة في النصف الثاني، منقطع الصلة تماما بما قبله، وإذا به يبلور قانونا صحيحا موجعا، ينتشر في كل زمان ومكان، وهل يخلو عصر وبلد من داء الحرص الذي يقود إلى سرطان الذل؟
ليس مستغربا أن يشيع الشطر وينتشر منفصلا عن قائله، وما أكثر الذين يستدعونه وينشدونه عندما يعاينون حالات شتى من السقوط المدوي، قوامها التخاذل والتهاون والتفريط والتنازل.. الضعف البشري ظاهرة لا يمكن أن تغيب، والحسابات المعقدة وليدة المصلحة والرغبة في التعايش والأمان الزائف، تدفع إلى الانحناء والرضا بالذل؛ ويا لمرارة أن تُذل وتنحني.