تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
حين نرصد أسباب الخلاف بين الفرق والمذاهب الإسلامية سنكتشف أن الأمر يتعلق فى بعض الأحيان بالتاريخ، فنحن نتوقف أمام ماض سحيق، فيأتى من ينتصر لهذا أو ذاك ويأتى من يقدس شخصًا ويرفع منزلته ويلصق به بعض التعاليم التى تتوارثها الأجيال بما فيها من كراهية للطوائف الأخرى نتج عن موقف تاريخى قديم يتعلق بصراع على الزعامة، وقد بدأ ذلك عقب مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضى الله عنه مباشرة وامتد حتى يومنا هذا، وأما الخلافات العقائدية فلم تظهر على عهد النبى صلى الله عليه وسلم وإنما جاءت كامتداد وتطور للخلاف بين الأشخاص، فلم يكن هناك من يسمى شيعيًا – بالمعنى الاصطلاحى – فى عهد النبوة حتى وقعت الأحداث التاريخية المعروفة بين الإمام على بن أبى طالب كرم الله وجهه وبين معاوية بن أبى سفيان والتى انتهت باستشهاد الإمام (على)، وهكذا نستطيع القول بأن الإسلام قد انقسم إلى حزبين كبيرين عقب مقتل عثمان، الأول هو حزب (على) والثانى هو حزب (معاوية) ووقتها كان يقال على أتباع كل واحد منهما (شيعته) ولم يكن فى الأمر أى خلاف عقائدى ولكن الثابت أن عبدالله بن سبأ قد استغل حب الناس لعلى فغالى فى هذا الحب واتخذه ستارًا يخفى وراءه حقده على الإسلام فجمع طائفة من المحبين لعلى وبدأ يؤصل لفكرة الوصاية والمرجعية وبأن الله تعالى قد أوحى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم أن ينصب عليًا إمامًا من بعده، ولكن النبى خاف أن يتهمه الناس بأنه قد أتى بابن عمه دون الكبار من الصحابة كأبى بكر وعمر فصمت عن ذلك، وهذا بالطبع غير حقيقى وافتراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما الآيه التى اعتمد عليها عبدالله بن سبأ فى نشر أفكاره فهى «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ»(المائدة: ٦٧) والرد على ابن سبأ يكمن فى الآيه ذاتها، فلو أن النبى قد أخفى شيئًا لكان أولى به أن يخفى هذه الآية، ولكن حاشا لله أن يفعل ذلك وهو الصادق الأمين، ولعل السبئية نسبة إلى عبدالله بن سبأ هى أول فرقة شيعية بالمعنى العقدى ثم توالى ظهور الفرق الشيعية بعد ذلك، فمهنم من غالى فى حب الأئمة ومنهم من اعتدل، وعلى مدار التاريخ كانت تخرج من رحم الفرقة الواحدة عدة فرق، فالزيدية مثلا وهى المنتشرة حاليًا فى شمال اليمن قد سميت بهذا الاسم نسبة إلى الإمام زيد بن على (زين العابدين) بن الحسين، وهو أخو الإمام محمد الباقر، وكان زيد قد خرج داعيًا لنفسه فبايعه على الإمامة بعض أهل الكوفة ممن خذلوا جده الحسين فى كربلاء، إلا أن زيد أصر على مواصلة القتال وخرج بجيشه إلى والى العراق يوسف الثقفى وقبل أن تدور رحى المعركة سألته شيعته من أهل الكوفة عن رأيه فى أبى بكر وعمر، فقال خيرا ففارقوه لاعتقادهم بأن الشيخين قد نصبا العداء فى الماضى للإمام (على) وهذا غير صحيح، وعندما ترك أهل الكوفة زيد وحده أخذ يردد: رفضتمونى.. رفضتمونى، فعرف هؤلاء بالرافضة، ولم يبق مع زيد إلا القليل من الجند فقتلوا جميعًا، وقتل زيد أيضا معهم وصلب ثم أحرق، فحزن عليه البعض وتشيعوا له بعد قتله وتوارثوا الفكرة لتبقى هذه الطائفة حتى يومنا هذا، تماما مثلما بقيت عدة طوائف أخرى هى المتحاربة الآن والمتصارعة على السيادة والقيادة فى المنطقة، فمنذ ألف وأربعمائة عام ونحن فى حروب مستمرة، متوارثة، مات فيها ملايين البشر وأحرقت الدور والأشجار والكتب وتأجج الصراع والخلاف على الجغرافيا، وامتلأت كتب التاريخ بالكثير من الأكاذيب وتناسى الجميع أن أصل الصراع والعراك كان لخلافات شخصية بين بشر أرادوا الاستحواذ على السلطة، ثم تحول الأمر بعد ذلك إلى صراع بين دول وطوائف تتقاتل داخل هذه الدول لفرض سيطرتها، وأصبحنا نعيش فى غابة من الأفكار الدموية، وكلها وليدة خلاف فى الماضى، بينما فى أوروبا والدول المتقدمة يكون الصراع على الحاضر والمستقبل، فهم يتقاتلون من أجل الغد ومن أجل الاستحواذ على الثروة وعلى عقول العلماء وفى الوقت الذى ينقلون فيه ميادين معاركهم إلى الفضاء ما زلنا نحن نتعارك على من الأحق بالخلافة وزواج المتعة والمسيار وإرضاع الكبير وأيهما أصح، البخارى أم الكافى؟ ولنا أن نتخيل حال عالمنا الإسلامى لو لم يكن قد سقط فى هوة هذا الصراع التاريخى وبات يتقاتل من أجل حاضره ومستقبله.. ولكن للأسف، هناك أقوام بذلوا الغالى والثمين من أجل الوصول إلى الفضاء، وهناك أقوام بذلوا الغالى والثمين من أجل الوصول إلى الفناء..