« تكاد يدى تندى إذا ما لمستها
وتنبت في أطرافها الورق الخضر»
في بيت أبى صخر ومجمل قصيدته، بل وفي قصائده جميعًا، صور مضيئة متوهجة غير مسبوقة في تجسيد حالة العشق الاستثنائية التي يعيشها، وتضفي على الحبيبة تفردًا يرتفع بها أميالا عن مقام العاديين من البشر.. يراها، فيصيبه ذلك النوع النادر من الارتباك الذي لا يعاينه إلا عتاة العشاق المستغرقين في الفناء والذوبان.. الاقتراب من حضرتها المقدسة لا يقود إلى الاحتراق والهلاك، وغيبوبة الذهول تفضي إلى إفاقة منعشة. عند الوقوف على حافة التواصل، تتجلى إلهة للخصوبة كأنها البعث.. تعيده إلى حياة مختلفة، خضراء يانعة قوامها الربيع الذي لا يطوله الذبول.
قلائل في تاريخ الشعر العربي، وغير العربي أيضًا، من يملكون موهبة الهذلي في التعبير عن اللهفة على هذا النحو التشكيلي الفذ الذي يبتعد عن المباشرة الفجة، ويعيد إنتاج المعاني المستهلكة الآسنة.. لا يخضع أبو صخر للموروث الجامد من القواعد، ذلك أنه يبتكر قوانينه المتمردة على كل قيد، المبرأة من لعنة الصنعة وسرطان الانفعال الكاذب والافتعال المبتذل.. يخلص في البوح بما يعتمل في أعماقه، دون نظر لشيء إلا الصدق والطزاجة.
الشاعر من يسبق زمنه ويعانق الأزمنة القادمة، ولا مشترك إلا الحب واليقين بعظمة وجلال الإنسان.