«تعودت مس الضر حتى ألفته وأسلمني طول البلاء إلى الصبر».
في الشطر الأول من بيت أبي الأسود، لا تكمن البطولة في الضر الشخصي الذي يتعذب به ولا يبوح بتفاصيله وخباياه، لكنها في الفكرة التي يستطيع كل قارئ أن يترجمها بما يتوافق مع أزمات حياته وما تحفل به من تحديات ومنغصات، أما الصبر الاضطراري في الشطر الثاني فإنه مصير عام لبني آدم جميعًا ولا ينفرد به الدؤلي بطبيعة الحال.
إنه الصبر الذي لا يستدعي الفخر والمباهاة، فهو مفروض بلا إرادة، ولا يتضمن الرضا الذي يقود إلى التوافق المنشود.
أروع وأنبل ما في الإنسان، أو ربما أسوأ ما يتسم به، يتمثل في تلك القدرة الخارقة المرعبة على التعايش مع ما لا يطيق، والأمر مردود إلى حتمية مسايرة التيار العارم والاندماج في الإيقاع العام الذي لا قِبل للأفراد بمواجهته وتغيير مساره.
البشر جميعًا، دون نظر إلى الادعاء المتغطرس والضجيج الفارغ، ضعفاء تعساء يكابدون صنوفا من القهر والحرمان، وهم أقوياء أيضًا، سلاحهم الأهم هو الاعتياد وخداع النفس وإدمان المراوغة.
لا بديل للصبر إلا الاحتجاج السلبي والصراخ الصاخب بلا محصول، وفي سياق كهذا يبدو الاستسلام قدرًا حتميًا لا مهرب منه.
إنه الاعتراف بالهزيمة، والسقوط في قبضة الأسر الذي لا نهاية له.. ما الحياة إلا كتائب من البلاء، تهاجم قلاعا هشة لإنسان بائس يرفع الراية البيضاء، وينخرط مجبرًا في طابور الصابرين.