«ما شئت.. لا ما شاءت الأقدار
فاحكم.. فأنت الواحد القهار»
لا تنبع أهمية بيت ابن هانئ من براعة في البناء الفني أو عمق متفرد غير مسبوق في المعنى، فلا شيء فيه إلا الإسراف غير المحسوب في المديح الفج، لكن الجدير بالاهتمام والتأمل في مجمل القصيدة، وليس المطلع وحده، هو أن القرن الرابع الهجري يتسع لمقولات موغلة في تطرفها الأرعن، وتضفي على البشر العاديين، وما الحاكم المسلم إلا من هؤلاء العاديين، ألوهية لا شك فيها ولا تحتمل التأويل.. لا أحد يتحرك احتجاجا، ويطالب بتطبيق حد الردة، وضرورة أن يُقتل الشاعر السفيه ليكون عبرة وعظة.
ابن هانئ شاعر صانع متصنع، بارع في إطار التقييم «المهني» الذي يرى الشعر حرفة ذات أدوات مثل غيرها من الحرف.. قد يكون موهوبا، لكن السؤال الضروري الذي لابد أن يُطرح: هل تكفى الموهبة وحدها للظفر بشاعر يستحق اللقب الثمين؟ موهبة معروضة للبيع في سوق نخاسة الكلمات، وسلعة رديئة ذات غلاف مثير بغية الرواج.. إذا لم يكن بد من المدح لاكتساب الرزق، فما الذي يبرر المبالغة الفجة التي لا إبداع فيها؟
لا أحد من الشعراء المعاصرين، إلا القلة الشاذة التي لا يُعتد بها ولا ينبغي أن تُحسب في كتيبة الشعر، يكتب مادحا للحكام والسلاطين، لكن الجادين الموهوبين عرضة للتنكيل والأذى عندما يتحررون من قيود تكبلهم بعشرات المحاذير والمحاظير، فأين هم من القرن الرابع وتغاضيه عما لا يغفره متنطعو القرن الواحد والعشرون؟