الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الرقابة في زمن الحرية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بين الحين والآخر تتعالى الصيحات بأننا فى زمن لا يجب أن توضع فيه أى قيود على الإبداع، ومن ثم فلا بد من إلغاء كل أشكال الرقابة، وأهمها جهاز الرقابة على المصنفات الفنية التابع لوزارة الثقافة المصرية، على أن يترك الأمر لضمير الكاتب أو المبدع، ويطل علينا عبر شاشات الفضائيات من يدعى كذبًا أن أجهزة الرقابة الفنية، قد ألغيت تمامًا من معظم الدول المتقدمة، وهذا محض افتراء، ولكن هناك من يريد تصدير هذه المعلومة الخاطئة متماديًا فى القول بأن أجهزة الرقابة ما زالت على قيد الحياة فى الدول المتخلفة فقط، وأنه آن الأوان أن نقرأ نعيها فى مصر، وأن نشيعها إلى مثواها الأخير، وأن نقرأ الفاتحة على روحها ونتذكرها كلما شاهدنا فيلما أو مسلسلا كان يحتاج لمقص الرقيب، فنحن كما يروج النشطاء والثوار وأصحاب جمعيات حقوق الإنسان وبعض الفنانين قد نضجنا بما فيه الكفاية، وأصبحت لدينا القدرة على تمييز الخبيث من الطيب وأن ضمير المبدع هو خير رقيب لأنه البديل الحقيقى للمجتمع، وبعيدا عن تلك الأوهام وبشكل عقلانى؛ فإننى لست من المؤمنين بهذا، بل على العكس تماما، فنحن يا سادة فى زمن نحتاج فيه إلى الرقابة أكثر من أى زمن آخر، أقول هذا وأنا أحد الذين يؤمنون بحرية الإبداع، ولكن إذا تعارضت حرية الإبداع مع مصلحة الوطن فلتذهب الحرية إلى الجحيم، ونحن بلا شك نمر بظرف تاريخى فريد، أو قل نحن فى معركة حقيقية تستهدف مصر الجغرافيا والتاريخ، وهى معركة غير تقليدية لأن العدو يقف بين صفوفنا ويرتدى ملابسنا ويتحدث لغتنا ويرتاد معنا المساجد، ثم يبحث عن فرصة ليوجه طعنته فى ظهورنا أو يضع قنبلة فى مصلحة حكومية يدخلها آلاف البسطاء كل يوم أو فى صندوق قمامة بأحد الشوارع العامرة، أو يقيم كمينا لقتل أبناء الوطن، هذا إلى جانب ما يحاك لنا من مؤامرات خارجية ظهرت بوضوح منذ ٢٠١١، ثم زادت بشكل مستفز خلال الأشهر القليلة الماضية، والتى تمثلت فى تحركات إقليمية وتنازلات سودانية عن جزر لتركيا، ومعاداة لمصر والمصريين من جانب بعض الأشقاء العرب فى المحافل الدولية، ومساندة البعض لبناء سد النهضة فى إثيوبيا، كل هذا إلى جانب سقوط عدة دول عربية مجاورة لنا وسط تدخلات دولية وإقليمية واضحة، وإذن فنحن فى حرب طاحنة لا نعرف متى نهايتها ولا كيفية حدوث ذلك، وإذا كنا نريد انتصار الدولة على قوى الظلام وأعداء الوطن؛ فعلينا أن نؤكد أهمية دور الرقابة فى هذا الوقت العصيب، إذ ليس من المعقول أن يترك الأمر للمبدع الذى قد يتسبب فى إثارة فتنة طائفية أو يدس السم فى العسل بقصد أو دون قصد، وعلينا أن نعترف بأننا نعيش فى مجتمع تطغى عليه الأمية وقد تنشب فتنة لمجرد شائعة كاذبة فما بالك بفيلم أو مسلسل يحكى مثلا عن شاب مسيحى أحب فتاة مسلمة أو أن مسيحية أقامت علاقة مع شاب مسلم، المؤكد يا سادتى الكرام أن مجتمعنا لا يحتمل مناقشة مثل هذه الأمور الشائكة الآن، كما أنه لا يتحمل أن يخرج علينا مبدع ليقدم لنا رؤية جديدة يشوه فيها تاريخنا أو رموزنا بحجة حرية الإبداع أو أن يدعو آخر لفكرة تتعارض مع القيم والثوابت الدينية، وهكذا فإننا ولا ريب فى حاجة ماسة لوجود الرقابة على أعمالنا، لا سيما أنها موجودة بالفعل فى كل دول العالم بما فى ذلك الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، وهى بالمناسبة رقابة قاسية للغاية خاصة مع الأعمال التى يتم تصويرها هناك وتكون من إنتاج دول أخرى، فحين نريد تصوير أجزاء من مسلسلاتنا وأفلامنا فى أمريكا أو بريطانيا يطالبوننا بترجمة السيناريو وإرساله إلى الأجهزة الرقابية هناك والتى قد تعترض على أشياء كثيرة ويتم إجبارك على حذفها أو تعديلها إذا أردت إتمام التصوير هناك، وهم لا يتركونك تضع الكاميرا فى أى مكان تريد، بل يحددون لك كل شىء، ولا يسمحون لك بالخروج من بلادهم ومعك الشرائط التى تم تصويرها، بل تتم مراجعتها وفق السيناريو، والغريب أننا نحترم هذه الأجهزة ونجلها وننفذ لها ما تريد، أما أجهزتنا الوطنية فنقف أمامها ونعترض بشدة على وجودها واستمرارها ونلجأ للكذب فندعى زورا وبهتانا، أنه لا وجود لها الآن فى دول العالم، وعلى عكس بعض الكتاب الذين يؤرقهم وجود لجان للقراءة؛ فإننى أعلن سعادتى بعودة هذه اللجان التى كانت موجودة فى قطاع الإنتاج حتى ٢٠١١، والتى ساعدت فى تقديم أعظم الأعمال الدرامية، وقد كان لجمعية مؤلفى الدراما العربية التى أتشرف بوجودى فى مجلس إدارتها موقفها المؤيد والداعم لهذه اللجان، بل نحن من دعونا إليها بعدما انتشرت الفوضى فى المسلسلات، وصرنا نرى مشاهد الشذوذ وقتل الابن لأبيه، والرسائل التى تبعث على تدمير العلاقات الاجتماعية فى هذا الوطن، وأعتقد أن بعض المؤلفين من غير الدارسين، ومن العاملين فيما يسمى بـ«الورش» يكتبون دون وعى منهم بالرسائل التى يقدمونها للمجتمع، فمعظهم لا يدرك أن الله تعالى سيحاسبهم على كل كلمة سطرتها أقلامهم، ومن هنا فإن المبدع الحق عليه أن يتعاون مع أجهزة الرقابة ولجان القراءة لصالح مجتمعنا، وعلى المسئولين أيضا أن يولوا هذه اللجان للمتخصصين من خريجى معاهد أكاديمية الفنون، فهم بلا شك أقدر الناس على قراءة وفهم النصوص ومشاهدة الأعمال المختلفة، وهؤلاء هم ضمير المجتمع وهم الإشارة الحمراء التى تبين للكاتب خطورة أفكاره بالنسبة للحظة التاريخية المعيشة.