رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

العورات للضعفاء فقط!!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ظهرت فى الآونة الأخيرة ظاهرة جديدة، وهى صدور أحكام حبس ضد بعض ممن يمارسون الغناء، وذلك بعد أن قام بعض المحامين بتقديم بلاغات ضدهم، بسبب الكليبات التى قدموها، والتى تتضمن إيحاءات مبتذلة وخادشة للحياء.. وبالفعل تم حبس (٧) ممن يمارسون هذا النوع من الغناء باعتبارهم يحضون على الفسق وانتشار الفجور، لنشرهم أعمالا فنية بدون تصريح.. وقد ناقش الصحفى المخضرم الأستاذ/ وائل الإبراشى السبت الماضى هذا الموضوع فى برنامجه «العاشرة مساء»، باعتبارها قضية اجتماعية وأخلاقية قبل أن تكون فنية.. وطرح وجهتى النظر حول الموضوع ، الأولى تتبنى فكرة تشديد العقوبات لحماية المجتمع والفن أيضا، والثانية ترى أن الفن حتى ولو كان مسفا لا يجب التعامل معه بهذا الشكل، ويمكن التعامل معه من خلال النقابة والعقوبات التى تتعلق بالوقف أو الغرامة..ورغم أننى ممن يرون أن الارتقاء بالذوق العام أحد أهم وظائف الفن، وأدافع عن فكرة الرقابة على المصنفات الفنية بشكل عام، وضد كافة الأشكال الفنية الهابطة التى تنشر السوقية والابتذال وتستخدم الألفاظ الخادشة بحجة aالواقعية، وأرى تلك الأعمال جرائم تستحق العقاب.. إلا أننى لا أتفق مع مبدأ الحبس فى هذا النوع من الجرائم، وأرى أن العقوبات يمكن أن تكون رادعة من خلال الغرامات المالية الكبيرة والمنع من ممارسة الفن أو الطرد من النقابة، خاصة أن الآراء يمكن أن تتفاوت بشكل كبير حول مدى أخلاقية الأعمال الفنية بشكل عام، وبالتالى يصبح سيف الحبس مسلطا على رقاب الفنانين.. ولكن بغض النظر عن اتفاقنا او اختلافنا مع فكرة الحبس للمغنين الذين يقدمون كلمات أو إيحاءات مبتذلة وخادشة للحياء.. فالمبدأ الأساسى الذى يجب أن ندافع عنه جميعا هو العدل، وأن يتم التعامل مع الجميع بالمعايير نفسها.. فكما نعانى كمجتمعات عربية فى السياسة الدولية من ازدواجية المعايير التى تتعامل بها القوى الكبرى والمنظمات الدولية.. نتعامل نحن كمجتمعات بالازدواجية نفسها والعدالة العرجاء، التى لا ترى سوى عورات الضعفاء، وتتغافل عمَّن دونهم!!.. فهل تلك الكليبات وأصحابها هم فقط من استخدموا الإيحاءات الجنسية وروجوا للفسق والفجور؟!.. هل الأفلام السينمائية التى تم عرضها فى أغلب القنوات والتى روجت للشذوذ واستخدمت أحط الألفاظ والأوصاف كانت فى إطار الفضيلة والأخلاق؟!.. ألا تعتبر الأعمال الدرامية والسينمائية التى تتضمن الكثير من الإيحاءات والابتذال والإسفاف والألفاظ الخادشة للحياء أكثر خطورة من تلك الكليبات؟!.. لأنها لا يتم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعى فحسب، بل تخترق بيوتنا ويتم عرضها على كل القنوات، ويتم الاحتفاء بها وبأبطالها!!.. ألم تتضمن أغنية الفنان تامر حسنى الشهيرة «أكتر حاجة بحبها فيك» إيحاءات وإشارات خادشة؟!.. رغم أن الكلمات تبدو عادية، ولكنها تحولت لإيحاءات من خلال الأداء والإخراج، واخترقت كل البيوت وشاهدها الأطفال والكبار دون أن يدينها أحد!!.. وأذكر أننى صدمت بشدة حين سمعت إحدى بنات عائلتى منذ عدة سنوات، وهى تردد كلمات أفجعتنى، وكانت تبلغ آنذاك ثمانى سنوات تقريبا، وتدرس فى إحدى المدارس الراقية وتجيد اللغة الفرنسية والإنجليزية، فقد كانت تلعب ضاحكة مع باقى الأطفال وتقول: «خش عليا خش.. نلعب تحت الدوش»..وحين صدمت من تلك الكلمات التى كنت أسمعها لأول مرة، فوجئت بأن تلك الكلمات تم استخدامها فى إطار كوميدى فى أحد أفلام الفنانة/مى عز الدين، والتى كان يشاركها فيه أطفال صغار، وبالتالى يجتذب الأطفال بأحداثه الكوميدية، فأصبحت هذه الجملة شائعة بين الأطفال يرددونها دون أن يدركوا معناها.. فهل هذا ليس إسفافا؟!.. وهل هذه الكليبات مسئولية القائمين عليها فقط أم مسئولية المجتمع بأكمله؟!.. مسئولية كل من تسببوا فى التدنى الأخلاقى والقيمى والسلوكى الذى نعيشه.. مسئولية من أدخلوا إلى بيوتنا أسوأ ما فى المجتمع بحجة الواقعية.. مسئولية من يمجدون الذين دأبوا على إفشاء الابتذال والسوقية والألفاظ الخادشة، ويصنعون منهم أبطالا وقادة رأى، رغم انحطاط ما قدموه!!.. فيجعلونهم مثالا يحتذى به للشباب، الذى يعتقدون أن هذا هو الطريق للشهرة والمجد واحترام المجتمع!!.. فكفانا هذا الانفصام فى الشخصية، والذى نعانى منه كمجتمع لا نرى عضلاته وسطوته سوى على من ليس له ظهر!!