الأربعاء 12 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

عاش نافع وماتت ضمائرهم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قبل عشرين عامًا.. تحقق حلمى والتحقت بالعمل فى مؤسسة الأهرام، لم يكن الحلم بحاجة إلى تأشيرة أو توصية قدر حاجته إلى ذلك الأرشيف الذى يحمل سنوات من العمل الجاد فى جريدة الوفد، وإذا كان العمل فى الأهرام حلمًا.. فالجلوس أمام الأستاذ والاستماع إليه كان حلمًا آخر، ومحظوظ من يجيب الأستاذ عن سؤاله أو يشيد بوجهة نظره أو يعده بشيء طلبه، كانت كلماته تحمل بين طياتها خبرات متراكمة، ولم تحل هيبته دون هذا التواضع الذى كان بمثابة درس لكل من تتضخم ذاته أو يمارس قمعًا أو يحيد عن نظام أسس له الأستاذ وألزم نفسه به قبل أن يلزم الجميع، مهنيته كانت تتجلى فى جولاته الخارجية وحواراته مع صناع القرار فى العالم، ولمساته الإنسانية مع الزملاء من داخل الأهرام أو خارجها لن ينكرها إلا جاحد أو ناكر جميل، أما عقليته الاقتصادية فالشاهد عليها مؤسسة هى الأكبر فى الشرق الأوسط، وسيظل عمله النقابى مضربًا للمثل ونموذجًا يحتذى به كل من يرغب فى تقديم شيء للصحافة والصحفيين.
إبراهيم نافع هو ذلك الأستاذ الذى تحققت على يديه أحلام الآلاف من الصحفيين، وكنا وسنظل نباهى بأنه من وقع لنا على أوراق التعيين فى الأهرام، مثلما نباهى بكارنيه النقابة الذى يحمل توقيعه، عاش الرجل هادئًا باسمًا فى وجه الجميع، كان الحديث معه أمنية، والتقرب منه حلمًا، والتمسح به وظيفة للبعض، كم من قصائد قيلت فيه، وكم من مقالات شكر وجهت إليه، وكم من عبارات النفاق التى لاحقته على مرأى ومسمع من الجميع، وما بين يوم وليلة.. انقلب الحال، وتحول الرجل إلى فريسة لأصحاب القلوب المريضة والأقلام المسمومة، وفى غيبة من الأخلاق صاحبت فوضى أحداث يناير.. كان إبراهيم نافع الأكثر ترددًا على ساحات النيابة، الذين نافقوه وهتفوا باسمه.. هم من حولوه إلى متهم، والذين مد لهم يده.. هم من نهشوا لحمه غير عابئين بمرضه، والذين صنع نجوميتهم واستخدم صلاحياته كنقيب لإخراجهم من السجن.. هم من سعوا إلى سجنه، أما الذين أوقف نافع أطماعهم داخل مؤسسة الأهرام.. فهم من بادروا بإزالة اسمه من إحدى القاعات التى شيدها.
رحل الرجل عن المؤسسة التى شيدها ليتعاقب على رئاستها من أتوا بعده، لكن حضوره ظل يطارد الجميع، ولم تشهد الأهرام إضافة منذ رحيله، بل شهدت تراجعًا غير مسبوق على كل المستويات، هو نفس التراجع الذى شهدته النقابة.
مرض إبراهيم نافع.. لكن المنافقين لم يرحموا عجزه، واستمرت قلوبهم المريضة تحمل له حقدًا وغلًا، حتى عندما خرج من مصر ظلوا يتربصون به فى غيبة من مؤسسة ستظل شاهد عيان على ما حققه من إنجازات، وغيبة من صحفيين توارت أقلامهم وجبنت أمام من لا يعرفون للشرف طريقًا.
كانت أمنية الأستاذ أن يعود إلى مصر ليموت فيها بعد أن تمكن منه المرض، وكانت أمنية من فى قلوبهم مرض أن ينتصروا لساديتهم، فجددوا بلاغات ضده على شاكلة بلاغات السبعين مليار دولار التى يمتلكها مبارك، هؤلاء نافقوا مبارك..وكانوا ينافقون نافع، واليوم ينافقون السيسي.. وغدًا ينافقون غيره.
عاد إبراهيم نافع، وكأن الله أراد له ما تمنى، حملته الجماهير على الأعناق وشيعته من بيته ( الأهرام ) إلى مثواه الأخير، جنازة مهيبة خلدت اسمه كما «الأهرام» والنقابة، ليظل نافع حيًا رغم الرحيل، وليمت من ماتت ضمائرهم وتمكن الغل من قلوبهم، جنازة نافع تبارى فى المشاركة بها من تنكروا له، ومشى فيها من تآمروا عليه، ذهب الرجل.. وبقى فى ذاكرتى إجابته عن سؤال لي، وبين يدى كارنيه أسعدنى بالتوقيع عليه.