الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الفكر العلمي عند سلامة موسى (3 – 3)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لكى يزلزل سلامة موسى هذه الخرافات والعقائد فى عقول الشرقيين لجأ إلى «نظرية التطور»، فهو يؤكد فى مقدمة الطبعة الثانية من كتابه «نظرية التطور وأصل الإنسان» ص٩:
« إن المستوعب لهذه النظرية - إذا كانت قد استحالت فى نفسه مزاجًا ومذهبًا - يشعر بتحرره من أغلال التقاليد، ويستطيع لذلك أن ينظر النظرة البكر لشئون هذا العالم. وهو يسمو على الاختلافات الدينية التى مزقت أوروبا فى القرون الماضية ولا تزال تمزق أقطارًا عديدة فى آسيا وأفريقيا».
صحيح أن سلامة موسى لم يكن أول من كتب فى نظرية التطور وأصل الأنواع، إذ سبقه إلى ذلك «شبل شميل»، لكن سلامة موسى كان أول من كتب عن «داروين» و«لامارك» كلامًا مفهومًا ليست فيه فقاهة العلماء، كلامًا يفهمه طلاب الجامعة، بل وحتى القارئ العادي، ولم تكن بساطته فى العلم فقط، بل بساطة فى التعبير هى ثمرة التفكير الواضح المرتب والبيان الدقيق. أما اللغة التى كان يعبر بها عن علمه وفكره، فكانت لا تقل جدة عما كان ينشره من علم وفكر، فعباراته قُدّت على قَد المعنى، إن حب سلامة موسى لداروين، وتحيزه لنظرية التطور منذ نشأته الثقافية، قد تركا أثرهما فى أسلوب الكتابة عنده، فالأسلوب يدل على الاتجاه الفكرى للكاتب، وها هو يقول:
« أنا أؤثر أسلوب داروين: أسلوب المنطق الصارم، والحذر والاعتدال على أى أسلوب آخر يُوصَف بأنه أدبي». (تربية سلامة موسى، ص ١١٨).
كما يقول واصفًا كتاباته بأن «ليس فيها أقل عناية بالصناعات البديعية أو البيانية» بل هى مكتوبة بما اعتقد سلامة موسى «أنه سيكون أسلوب المستقبل وهو الأسلوب «التلغرافى» حيث لا تزيد الألفاظ على المعاني». (مختارات سلامة موسى، ص ٦).
أخذت نظرية التطور عند سلامة موسى مكانًا دينيًا، فنظر إليها بوصفها دينه الجديد، حيث لم تكن بالنسبة له نظرية علمية فحسب، بل كانت فى تصوره فكرة كفاحية، استطاعت أن تتصدى للجمود والعقائد والتقاليد الموروثة (د. مجدى عبدالحافظ، سلامة موسى بين النهضة والتطور، ص ٢٨).
إذ يؤكد قائلًا: «عندما استبطن إحساسى الدينى أجد أن بؤرة هذا الإحساس هى «التطور» ( تربية سلامة موسى، تحت عنوان «تربيتى العلمية» ص ١٢١).
وهذا الإحساس الدينى عند سلامة موسى هو فهم وممارسة، ولذلك يقول:
«إنى أفهم أننا وجميع الأحياء أسرة واحدة بما فى ذلك النبات، وأن الخلية الأولى التى نبض بها طين السواحل قبل ٧٠٠ مليون سنة هى عنصرنا الأول. وأننا مازلنا ننبض ونتغير فى تجارب لا تنقطع. وأن سنتنا هى لذلك سنة التغير، وجريمتنا هى لذلك جريمة الجمود». (المرجع السابق، الموضع نفسه.)
هذا هو السبب الذى دفع سلامة موسى إلى تأليف كتاب «نظرية التطور وأصل الإنسان»، ليكافح الغيبيات الشائعة عند الجمهور. ولهذا نشره على هيئة مقالات فى جريدة «البلاغ» قبل طبعه كتابًا كى يصل إلى أكبر عدد من القرَّاء. ولهذا أيضًا كان يسعى إلى إيجاد حركة علمية شعبية فى مصر، فأنشأ عام ١٩٣٠ - مع فؤاد صروف وآخرين - «المجمع المصرى للثقافة العلمية» بغية نشر الثقافة العلمية بين الناس.
ولنستمع إليه يقول:
«نحتاج إلى ثقافة علمية تعم الشعب حتى يترك غيبياته وينزل على قوانين المادة فى الزراعة، والصحة، والصناعة، حتى تعمه العقلانية العلمية، فيحل مشكلات الزواج والطلاق، والعائلة، والجريمة، والتربية والسياسة، بأساليب العلم، وليس وفقًا وخضوعًا للتقاليد والعقائد». (البلاغة العصرية واللغة العربية، ص ص ١٨٢-١٨٣).
ويستطرد قائلًا:
«وهذه النزعة العلمية فى الشعب هى التى تحفز على التخصص العلمي، وعلى مكافأة العلميين، والاستماع لهم فى نصائحهم وتوصياتهم بشأن الارتقاء المادى لبلادنا». (المرجع السابق، ص ١٨٣).
وهذا الارتقاء المادى - كان فى نظره - هو أساس الارتقاء الاجتماعى والثقافى والفني.
لم يطلب سلامة موسى، إذن، العلم من أجل العلم، بل كان هدفه هو تحويل العلم إلى ثقافة، وكان همه أن تكون هذه الثقافة جماهيرية.