السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

القــدس فـي مائـة عـام

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مائة عام قد انقضت على اختطاف مدينة المسرى وحاضنة الأقصى.. مائة عام من العزلة يا زهرة المدائن.. فى السطور القليلة القادمة أُسرِد - لمن لا يعلم- بعضًا من تاريخ القدس فى قرنها الأخير.. أبدأ مع وعد بلفور ١٩١٧، وانتهى مع قرار ترامب ٢٠١٧.
فى عام ١٩١٧ وقعت القدس تحت الاحتلال البريطاني، وذلك بعد معركة حامية دارت رحاها بين الجيش البريطانى والجيش العثماني، انهزم على إِثْرِها الجيش العثماني، كما أنه فى العام نفسه كان وعد بلفور - الذى أبرمته الحكومة البريطانية مع ممثِّل الحركة الصهيونية (تيودور هرتزل)- بإنشاء وطن قومى لليهود فى فلسطين، فكان هذا وعد مَن لا يملك لمن لا يستحق!! وفى عام ١٩٢٢ منحت عصبة الأمم بريطانيا حق الانتداب على فلسطين، وأصبحت القدس تحت الانتداب البريطاني.. ونتيجة لهذه الأحداث؛ فقد ازداد عدد اليهود المهاجرين إلى فلسطين، وإلى القدس على وجه الخصوص، وقد ساعدتهم بريطانيا وشجعتهم على شراء الأراضي، وهو ما أدى إلى استياء المسلمين والمسيحيين المقيمين فى المدينة.
وفى عام ١٩٢٩ قامت ثورة البراق، قُتل خلالها عدد من اليهود، وقد استطاعت بريطانيا إخماد هذه الثورة، ثم أسهمت فى جعل اليهود يستقرون فى المدينة، وذلك عن طريق مساعدتهم فى بناء أحياء سكنية كاملة لهم فى شمال المدينة وغربها، كما ساعدتهم فى إنشاء عدد من مؤسسات التعليم العالي، التى كان منها الجامعة العبرية.
وفى عام ١٩٤٧ أصدرت الأمم المتحدة قرارًا بتدويل القدس وجعلها تحت رعايتها وإشرافها، وجاء فى القرار أنه سوف يُطبق لمدة عشر سنوات، وأنه بعد هذه المدة سيتم إجراء استفتاء عام لتحديد نظام الحكم الذى يرغب أغلبية سكان المدينة فى تطبيقه، إلا أن هذا القرار لم يطبق، فبعد أن أعلنت بريطانيا فى عام ١٩٤٨ إنهاء الانتداب على فلسطين وسحب قواتها، استغلت العصابات اليهودية حالة الفراغ السياسى والعسكري، وأعلنت قيام الدولة الإسرائيلية.
وفى عام ١٩٤٨ قامت الحرب بين العرب وإسرائيل المعلنة، وكان من نتائجها أن قُسِّمت القدس إلى قسمين: القدس الغربية وتخضع لإسرائيل، والقدس الشرقية وتخضع للأردن.. وفى ديسمبر من العام ذاته تم إعلان أن القدس الغربية عاصمة للدولة الإسرائيلية الوليدة.. وفى عام ١٩٥٠ أعلنت الأردن رسميًّا خضوع القدس الشرقية للسيادة الأردنية، وترتب على ذلك أن خضعت أغلبية المواقع المقدسة فى القدس للسيادة الأردنية، بما أن أغلبها يقع فى القسم الشرقى من المدينة.
وفى عام ١٩٦٧خاض العرب وإسرائيل حربًا أخرى انتصرت فيها الأخيرة، وبعدها سيطرت على القدس الشرقية، ثم قامت بتوسيع حدود المدينة، وذلك عبر بناء عدد من الأحياء السكنية والمستعمرات اليهودية، وقد قامت إسرائيل منذ سنة ١٩٦٧ بمحاولات متعددة تهدف إلى تهويد المناطق التى احتلتها بعد الحرب.
وفى عام ١٩٨٠ أصدرت إسرائيل (قانونَ أساسٍ) اعتبرت فيه القدس الموحدة عاصمة أبدية لإسرائيل؛ ونتيجة لذلك أصدر مجلس الأمن القرار رقم ٤٧٨ لسنة ١٩٨٠، الذى نص على أن قانون الأساس الذى أصدرته إسرائيل قانون باطل ويجب إلغاؤه، ومن أجل إجبار إسرائيل على تنفيذ هذا القرار الدولي، اقتُرح أن تقوم الدول الأعضاء فى مجلس الأمن بسحب كل هيئاتها الدبلوماسية من القدس إلى تل أبيب.
وفى عام ١٩٩٥ قرر الكونجرس الأمريكى نقل مقر السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وذلك بعد إصدار «قانون السفارة فى القدس»، إلا أن بيل كلنتون، رئيس الولايات المتحدة آنذاك، أجَّل التوقيع على هذا القرار، ثم جاء جورج بوش فأجَّل التوقيع على القرار، ثم جاء باراك أوباما فأجَّل هو الثالث التوقيع عليه. وفى عام ٢٠١٧ قام دونالد ترامب بالتوقيع على قرار الكونجرس بنقل السفارة الأمريكية إلى إسرائيل؛ ومن ثم الاعتراف بالقدس عاصمة لها.. وحينما قُدم مشروع قرار إلى مجلس الأمن من أجل التصويت على إدانة قرار نقل السفارة، استخدمت أمريكا الفيتو معترضة على المشروع، فى حين أن باقى الدول الأعضاء فى مجلس الأمن قد صوَّتت لصالحه. وهكذا عشرة عقود قد مرَّت على احتلال زهرة المدائن.. مائة عام من الصراع بدأت بوعد مشئوم وانتهت بقرار أَرْعَن.. ولا يزال الصراع مستمرًًّا حتى يقضى الله أمرًا كان مفعولًا.. وإذا كنت اليوم أكتب بعد انقضاء مائة عام من الصراع ولم يتغير شيء، فهل يأتى يوم يكتب أحدهم بعد انقضاء ألف عام على الصراع وقد تغير كل شيء؟! أم أنها مائة عام من العُزلة ربما امتدت إلى ألف ؟!