رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مسلم ولا مسيحي؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تعلمت منذ الصغر أن الفارق الوحيد بين المسلم والمسيحى هو مكان العبادة، فالأول يصلي فى الجامع والثاني فى الكنيسة، والحقيقة أننى لا أريد أن أعرف فوارق أخرى غير ذلك، أومن بمصريتى أكثر من إيمانى بأى شيء آخر، أتذكر كيف كانت مصر فى الماضى «أيام زمان»، كيف كان الناس يحبون بعضهم دون أى مقابل فقط لمجرد أنهم مصريون، عشت فى زمن لم يسأل الناس فيه بعضهم عن دينهم أو ملتهم، كان أقرب أصدقائى فى المرحلة الابتدائية مسيحيا، كنا نجلس أنا ومينا على «تختة» واحدة، أحببت مينا وأنا أعرف أنه مسيحى وهو كذلك، كنا نفترق فقط فى حصة التربية الدينية، وأعترف اليوم أننى مدين لمينا بالعديد من الأفضال، منها مثلا أنه لم يتأخر علىَّ أبدا عندما كنت أتعثر فى أحد أسئلة الامتحانات، بصراحة كنت دائم الغش منه، وأيضا لم يبخل علىَّ بسندوتشاته عندما أكون جائعا، هكذا بدت الحياة بسيطة، ندخل بيوت بعضنا ونتزاور ونأكل أحيانا من نفس الطعام، أتذكر جارتنا أو جدتى «أم معوض» كما كنت أقول لها كانت من أحب الناس إلى قلبي، وهى أيضا أحبتني، تنادينى كل يوم وأنا ألعب فى الشارع مع أصحابى من أبناء المنطقة، لكى تعطينى بيضة من الفراخ التى تربيها فوق سطح منزلها، حتى أننى تعودت على جمع البيض وتخزينه فى الثلاجة لأتناوله يوم الجمعة من كل الأسبوع، لذلك لم تعتد أذنى على سماع السؤال السخيف «انت مسلم ولا مسيحي؟»، لاعتقادى أن هذا السؤال تحديدا هو الشرارة التى انطلقت منها نيران الفتنة فى مصر. 
شريط طويل من الذكريات الجميلة يمر أمام عيني، تجعلنى أتحسر على حالنا وما نعيشه اليوم من مشاعر حقد وكراهية وتطرف غريبة عن مجتمعنا الذى عرف عبر تاريخه بالتسامح وقبول الآخر واستيعابه، حتى الغزاة انصهروا داخل مجتمعنا وذابوا فى أرضه كما يذوب الملح فى الطعام، لذلك من المحزن أن أرى وطنى فريسة للأفكار الوهابية الرعوية البدوبة المنغلقة على العالم، بعدما كان مصدرا للإشعاع والنور فى المنطقة.
ويبقى الأمل فى عم صلاح وأمثاله، هذا الرجل المسلم كبير السن الذى لم يتردد لحظة فى الدفاع عن كنيسة مارمينا وإنقاذ مئات الأرواح، وانقض كالأسد على الإرهابى. 
فقد مرت على مصر فترات تاريخية عديدة، منها أزمات لا يمكن أن ينساها التاريخ، ومنها لحظات انتصار حفرت فى وجدان المصريين. ففى أوقات الشدائد والحروب يقف المصريون بجوار بعضهم البعض. بمختلف «انتماءاتهم ومعتقداتهم وأفكارهم». 
كانت أول بذور الفتنة بين المسلمين والمسيحيين فى مصر فى عام ١٨٨١، مع بداية الاحتلال البريطانى لمصر عندما أدرك الاحتلال أن قوة مصر معتمدة على ترابط أبنائها، وفى وحدتها الوطنية، فحاول أكثر من مرة الإيقاع بين أبناء الوطن، إلا أن محاولاته باءت بالفشل أمام صلابة ووحدة المصريين فحاول إقناع مسيحيى مصر أنهم أقلية، ويجب عليهم إعلان مخاوفهم كأقلية مصرية، ولكنهم رفضوا، كما انتشر فى تلك الفترة عائلات فى صعيد مصر، كانت معروفة بدورها فى مقاومة الاحتلال، مثل عائلة عبدالنور فى جرجا التى ساعدت أحمد عرابى، والشقيقين ميخائيل وحنا إثناسيوس، فى محافظة المنيا، اللذين ساعدا المقاومة المصرية فى جمع التبرعات. 
التاريخ يشهد على عشرات المواقف والأحداث التى أظهرت عمق الوحدة الوطنية المصرية ومنها مواقف البابا شنودة الشهيرة فى حرب أكتوبر ١٩٧٣؛ عندما قام قداسة البابا شنودة بعقد اجتماع مع الكهنة والجمعيات القبطية لحثهم على الإسهام فى دعم المجهود الحربي، وطلب من كل كنيسة وجمعية تقديم تقرير يومى له عما قدمته، وخطبته الشهيرة التى وجهها للشباب القبطى عقب الأحداث المؤسفة التى وقعت خلال السبعينيات، وكان الشباب القبطى غاضبا وثائرا جدا عندما قال «مستعد أن أبذل حياتى من أجل أى واحد منكم كذلك أنا مستعد أن أبذل حياتى من أجل أى مسلم فى هذا البلد. فإن الحب الذى فينا لا يعرف تعصبا ولا تفريقا فنحن أخوة فى هذا الوطن، إن وطنية الأقباط لم تكن فى يوم من الأيام موضع سؤال ولن تكون وإن تاريخ مصر ليسجل فى كل حين مواقف مشرفة ووطنية للأقباط إلى جوار إخوانهم المسلمين».