تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
الجرح الذى نتج عن هجوم الناس على كنيسة أطفيح قبل عشرة أيام وتكسير محتويات الكنيسة لم تخف آلامه، وكتبنا فى وقتها رافضين دعشنة المجتمع، نكتب بغضب عندما يحاول البعض الاعتداء على تركيبة المجتمع المصرى التى هى مسلمون ومسيحيون، نعرف جيدًا من تجارب التاريخ أن الطائفية والتعصب هما بداية الانهيار لأى دولة مهما بدت قوية فى مؤسساتها الرسمية.
لم تمر سوى أيام قليلة حتى جاءت المصالحة بشكل عملى على الأرض من مدينة حلوان، الاعتداء الفاجر على كنيسة مارمينا الذى نفذه مجنون متخلف يوم الجمعة الماضى أوضح عددا من المؤشرات الإيجابية، رغم وجود ضحايا أبرياء، نعرف أن حرب الاستنزاف التى تعيشها مصر يوميًا ومنذ سنوات سوف ندفع فيها دماء من أجل الدفاع عن الكرامة والوطن، ومن أجل الانتصار الذى ننتظره ندفع الثمن بكل اقتناع، وفى حلوان سمعنا زغاريد النساء من شبابيك بيوتهن فور قتل الإرهابى المسلح، وزغاريد النساء بمصر دائمًا وأبدًا هى الأصدق فى بشارة النصر، وهى الأروع فى التعبير عن الفرحة الحقيقية النابعة من القلب.
لم تكن زغاريد النساء هى المؤشر الوحيد الذى يجعلنا نتصالح مؤقتًا مع خطر سير المعركة، ولكننا رأينا أيضًا المواطن صلاح الموجى، الذى صار حديث الشاشات وهو يهجم منفردًا على الإرهابى ليشل حركته وينتزع منه سلاحه، صلاح الموجى لم يكن مسلحًا، لم نشاهد عصى فى يديه ولا حتى قصافة أظافر، رأيناه مسلحًا بقيمة هذا البلد ووحدته، التى تتأسس على أن أى اعتداء على أبرياء هو اعتداء على اسم الوطن.
ولأن الشيء بالشيء يذكر فى واقعة محاولة الاعتداء على الكنيسة والتى استمرت لحوالى خمس عشرة دقيقة، كان المسجد حاضرًا ومشاركًا فى المقاومة ورد الظلم، فاستمعنا إلى المؤذن فى أقرب مسجد يتقدم نحو ميكروفون مسجده، ليعلن للناس أن هناك اعتداء يتم على كنيسة مجاورة داعيًا للتحرك وإنقاذ الموقف هناك، هذه الصور المتتالية فى عملية حلوان تجعلنا نرى الضوء فى آخر النفق، وتجعلنا نقول للجميع «الإجابة حلوان».
سكنت فى حلوان ما يقارب السبع سنوات فى بداية عملى بالصحافة وانتقالى من الإسماعيلية إلى القاهرة، رأيت طبيعتها كمدينة متحضرة وشهدتها كقلعة عمالية، وها هى تعطينا درسًا جديدًا فى المقاومة، وتحمل الآلام انتظارًا للنصر الذى تعطله بعض من قوى داخلية، فضلًا عن أوهام قوى خارجية داعمة بالمال والسلاح، هدفها الرئيس تركيع المحروسة ورفع الريات السوداء على نواصى شوارعها.
الوقائع اليومية المتكررة التى تستهدف كسر الدولة من خلال استهداف جيشها وشرطتها، والإلحاح المتواصل لدق إسفين الفتنة الطائفية بين مسلم ومسيحي، بل والمزايدة فى التأسلم وتكفير مذاهب لمذاهب أخرى، كل هذا الارتباك المتعمد ليس من قبيل المصادفة، وعندما نؤكد فى كل كتاباتنا على أن ما تشهده مصر هو معركة كبرى، لا نقصد التهويل، ولكننا نؤكد على واقع، هذا الواقع الذى يحاول البعض القفز عليه وتجاوزه أو حتى يتعامى عنه، فإن هذا البعض فى الحقيقة يخدم الخصم، سواء بدون قصد أو بسوء نية.
لذلك وحسبما تعلمنا من الأوائل أنه عندما يقابلك حدث كبير لا تفرح ولا تحزن، ولكن توقف ثم فكر جيدًا، سوف تتكرر فى الفترة المقبلة حوادث مشابهة.. برغوث إرهابى مسلح سوف يحاول لدغ جسد الوطن من أى زاوية، وسيواصل الوطن انتفاضته ضد التكفير والإرهاب، ضد التعصب والتطرف، نحو دولة مدنية نمشي، نحو دولة القانون والمواطنة نجتهد، ننتقد ما حدث فى أطفيح، وندرس الحقائق الصالحة لإثارة الدهشة فى حلوان.