الجمعة 03 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مواجهة الإرهاب بين إرادة الدولة ونية المجتمع

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الإرهاب صناعة عالمية احتلت زوايا التفكير العربى قبل خمسين عامًا وما زالت، خاصة بعد قيام دولة للتنظيمات المتطرفة فى العراق والموصل فى نهايات عام ٢٠١٤، فبات الخطر يُهدد العالم بأكمله، خاصة أن هذه الدولة فى وقت قصير أعلنت عن قيام ٣٤ ولاية تابعة لها فى الشرق والغرب، فشلوا فى السيطرة على أماكن جغرافية كثيرة ولكنهم نجحوا فى السيطرة على عقول مئات الآلاف من الشباب، وعندما أراد المجتمع مواجهة تنظيم ما يُسمى بالدولة الإسلامية «داعش» عبر مملكته المتهاوية انحصرت المواجهة فى شكلها العسكرى فقط، دون وجود أفق لما بعد المواجهة من ناحية، ولا أن تكون هناك وسائل أخرى تمنع قطاعات عريضة من الانضمام لهذه التنظيمات المتطرفة من ناحية أخرى.
وقع المجتمع الدولى وكثير من عواصمنا العربية فى خطأ المواجهة غير الواضحة للتنظيمات المتطرفة، فاقتصرت صور هذه المواجهة على الشكل الأمنى وبعضًا من المواجهة العسكرية القائمة على تبادل المعلومات الاستخباراتية التى من شأنها تفكيك تنظيمات التطرف دون الوصول إلى فكرة المواجهة الفكرية ولا مشاركة المجتمع فى هذه المواجهة، حتى بات المجتمع مؤمنًا بدوره الغائب ورافضًا لأى صورة من صور المواجهة.
المجتمع لا بد أن يكون حاضرًا فى أية مواجهة ضد الإرهاب والتطرف، وألا يقتصر دوره فى المواجهة على التشجيع فقط، وألا يختزل هذا الدور فى مجرد سب هؤلاء المتطرفين أو الإبلاغ عنهم، وإن كانت كل أنواع المشاركة مطلوبة، فقط نحتاج إلى تفعيلها.
المجتمع برموزه ومثقفيه وسياسييه ومفكريه لا بد أن يكونوا أدوات للمعرفة التى تعصم من الوقوع فى شراك التطرف بصوره ونماذجه المختلفة، وهنا لا بد ألا نحصر التطرف فى شكله الديني، فقد يهب علينا بقبحه من التطرف المجتمعى فى السلوك اليومي، فعادة الثأر يومًا كانت بابًا للتطرف الدينى فى مجتمع الوجه القبلى بصعيد مصر، التطرف يعنى لغويًا الإمساك بأطراف الشيء، والتطرف يؤدى بعضه إلى بعض، يبدأ بالسلوك وينتهى بالتطرف الجنائى وهنا قد يأخذ غطاءً شرعيًا.
حضور المجتمع فى مواجهة الإرهاب أمر لا يمكن الاستغناء عنه أو التقليل من شأنه، بل لا بد أن يكون فى طليعة المواجهة، وأن يسير بالتوازى مع صورة المواجهة الأمنية والعسكرية دون الاستغناء عن المواجهة الفكرية، بل وضعها هى الأخرى فى الصدارة.
أسئلة كثيرة تطرحها النخبة عن استمرار ظاهرة الإرهاب فى مصر طوال هذه الفترة دون أن يتبادر لذهن البعض، أسباب غياب المشاركة المجتمعية فى الآليات المطروحة لمواجهة ظاهرة الإرهاب والتطرف، فتحول دور المجتمع من ضرورة أن يكون فى طليعة المواجهة إلى دور المتفرج وإلى أكثر من ذلك، وهو دور الناقد بل والناقض، فأسباب استمرار ظاهرة الإرهاب دون الأسباب المادية كثيرة.
أشارت أحدث الإحصاءات إلى أن المواجهة الأمنية تمثل ٧٪ فقط من فكرة مواجهة الإرهاب، بينما تمثل المواجهة العسكرية قرابة ٣٣٪ وتبقى المواجهة الفكرية ٦٠٪ من فكرة المواجهة، وهى الأهم ومن دونها لا يمكن أن تكون هناك مواجهة فاعلة، وفى القلب من المواجهة الفكرية للمجتمع بدوره لأبنيته، مشاركًا فى المواجهة لا ناقدًا وحانثًا على الأوضاع التى آل المجتمع إليها بسبب ظاهرة الإرهاب؛ فما من دولة تخوض حروبًا بأجهزتها التنفيذية والتشريعية دون مشاركة شعبها وجيشها، ومواجهة الإرهاب أحد أهم أشكال هذه الحروب فى العصر الحديث، والتى تستلزم حضور المجتمع حضورًا مؤثرًا.
الدولة فى مواجهتها لظاهرة الإرهاب وكأنها تصفق بمفردها وتصفع ذاتها وتبحث عن حياة لنفسها، بينما يرى المجتمع أن معركته فى منطقة أخرى، دون أن يشعر هذا المجتمع أن الإرهاب يؤثر فى الحياة بأكملها والتنمية بوجه أخص، ولماذا التنمية؟ الإرهاب يقضى على الحياة بمفهومها العام، فإذا كان المجتمع يبحث عن حياة له وبنظرة برجماتية عليه أن يكون عينًا لمواجهة الإرهاب ويدًا للتصدى له ولسانًا لمواجهته، بل لا بد أن يكون ناصحًا أمينًا فلا يمكن لتنمية أن تكون بدونه ولا يمكن لتقدم أن يحدث فى غيابه، لا بد للمجتمع المدنى أن يترك مقاعد الانتقاد وأن يراهن على مشاركته فى المواجهة، مشاركة مثمرة وأن تكون مشكلته الأولى والأخيرة، فمن بين صفوفه يخرج الإرهاب وبشعارات الدفاع عنه يظهر فى كل ساحة، يواجه بأفكار دون أن يرد عليه أو يسعى لتفكيكها، يخترق عقولنا ويدخل بيوتاتنا ويؤثر فى أفكار أطفالنا دون أن نواجهه، فشلنا فى كل شيء، فى فهمه أولًا ومواجهته ثانيًا.
إذا كانت الدولة تمتلك إرادة المواجهة الحقيقية، ولديها ما يمكن أن تقدمه فى هذه المواجهة التى كتبت عليها، فأين المجتمع من هذه المواجهة؟ ومتى يمتلك هذه الإرادة؟ أم يظل دوره مقتصرًا على مجرد نية لا تغنى شيئًا فى حرب طويلة الأمد مع تنظيمات متطرفة، عابرة للقارات وتلقى دعمًا دوليًا وتلعب على تناقضات دولية تزين المشهد السياسى لأكثر من خمسين عامًا؟ مجرد أسئلة نطرحها بنوايا صادقة مع إرادة أصدق للمواجهة.