رغم الحزن الساكن فينا والذى يحيط بنا فى كل اتجاه، بسبب العمليات الإرهابية الأخيرة، بمسجد «الروضة» بالعريش وكنيسة «مارمينا» بحلوان، طغت أجواء الميلاد والعام الجديد على مصر، إيذانا بالعام الجديد، عام التضحية والفداء لهذا الوطن العظيم، ليعم الاستقرار والأمان، للناس والوطن.
مصر التى طال انتظارها للعيد بكل معانيه، راسما بريشته لوحة التضامن والوحدة والاصطفاف وراء الدولة المصرية بكل ما تمثله من المستقبل، منشدا للتراتيل الميلادية، التى تبعث الطمأنينة فى النفوس والعقول المتسائلة. كل عام ومصر تحتفل بالميلاد المجيد والعام الجديد، يدا واحدة وشعبا واحدا، وفى هذه الأجواء لا تحية تعلو فوق تحية شهداء الوطن، من رجال الجيش والشرطة والشعب، والعزاء لأهالى الشهداء، الذين بدمائهم حققوا لنا الحياة الآمنة المستقرة، وهؤلاء الرجال الذين قدموا أرواحهم فداء للوطن، دون مقابل، وهم بهذا المفهوم للعطاء يتقدمون على الجميع دون استثناء، فى حفظ الوطن وأبنائه.
شهور الآلام طويلة علينا بسبب الإرهاب، ولكنها بفضل أبطال الجيش والشرطة ستمر وستنتهي، ولكن يبدو أنه أمامنا وقت ليس بالطويل للقضاء عليه بكل أجنداته؛ لأن الإرهاب لا يعرف وطنا ولا دينا، فهو متلون بألوان مختلفة طبقا للبيئة التى يخترقها، كالحيات التى تغير ألوانها طبقا للصحراء الحاضنة لها.
ليس فى مصر شيء اسمه التخاذل مع الإرهاب، أو التعايش معه، لا شيء اسمه التخاذل لأنه من يتخاذل مع الإرهاب سيكون أول ضحيته. الكل يعرف أن المنتصر فى مواجهة الإرهاب هو الشعب والدولة، فمن الصعب التراجع عما جرى فى العام الماضى من معجزات متمثلة فى الكم الهائل من المشروعات الكبرى، آخرها إنفاق القناة، والكبارى العائمة، التى أرجعت سيناء إلى أحضان الوطن، وأمدت بينها وبين مدن القناة شرايين الحياة.
وكأنه مكتوب لهذا البلد أن يخوض حربين فى آن واحد، حرب البناء والتعمير، والتطوير والتحديث، وحرب ضد الإرهاب، لوأده والقضاء عليه، وليست مبالغة القول إن نتائج هاتين الحربين ستحدد مسار الحاضر والمستقبل.
يربط المتابعون محاولة تفجير كنيسة «مار مينا» وما يجرى فى العريش من إرهاب بمخطط إرهابى متكامل، لجماعة الإخوان، وانكشف الوجه القبيح لهذا المخطط الأسبوع الماضى فى السودان، بإهداء البشير جزيرة «سواكن» لأردوغان، دون تحديد مدة الإهداء، وكأن حاكم السودان الإخوانى الذى لا يملك يهدى أردوغان الإخوانى ما لا يستحق، دون أن يأخذ موافقة من الشعب السودانى أو مؤسساته الدستورية، لتنشئ تركيا على هذه الجزيرة «سواكن» التى تقع فى البحر الأحمر قاعدة بحرية تركية فى مواجهة مصر، المستهدفة دائما من أردوغان الإخواني، الذى يسعى جاهدا لخنق مصر ومحاصرتها فى البحر الأحمر وضرب قناة السويس.
ويبرز فى هذا الإطار العلمية الإرهابية الأخيرة لتدمير كنيسة «مار مينا» التى أفشلها رجال الشرطة بمساعدة أبناء حى حلوان، وتم القضاء على أحد الإرهابيين والقبض على الآخر، والمفاجأة أن الإرهابى الذى تم القبض عليه تدرب على الأعمال الإرهابية فى السودان، كما أظهرت المعلومات الأولية أنه تسلل للأراضى المصرية عبر الحدود المصرية السودانية.
هكذا هو المخطط الإخوانى الذى تموله قطر بمشاركة السودان وتركيا، الذى استهدف تدمير كنيسة «مار مينا» وقتل أكبر عدد من الإخوة المسيحيين، لاستغلاله فى خدمة أعضاء الكونجرس الأمريكى الذين يسعون لفرض العقوبات على مصر بحجة عدم حمايتها للأقليات. وهو ما كان يحلم به الخونة والجواسيس وأعداء الوطن وحلفاؤهم لتفتيت البلد، وفرض الوصاية الأجنبية عليها ليسهل عليهم دخولها والعبث بها، والقضاء على الطفرة الكبيرة التى حققتها مصر خلال الفترة الماضية.
حين يصل الإجرام إلى هذا الحد فلا بد أن تكون المصارحة هى سيدة الموقف، ونعنى هنا بالمصارحة أن تكون المعلومات الحقيقية والصريحة متاحة للجميع وعلى كافة المستويات أولا بأول؛ لأنه بالمعلومات الصحيحة يتم تحصين كل الناس وبث روح الوطنية والمحافظة على الوطن والوحدة والاصطفاف وراء الدولة المصرية، ووضع كل شيء بات بالإمكان وضعه تحت خانة مكافحة الإرهاب، لتنتصر المصلحة الوطنية والدولة على كل أعدائها.
مصر تودع ٢٠١٧ وتستقبل ٢٠١٨ بكثير من الأمل، بألا تغلق على نفسها الأبواب، وأن يفتح المسئولون عقولهم للأفكار الجديدة، التى تهيئ لمستقبل أفضل، ولا يعتقدون أن فى هذه الأفكار تهديدا لمكانتهم ومناصبهم، ويكونون على عقيدة أن من لديه خبرة يمكنه إفادة البلد.
مناسبة هذا الكلام أن بعض من حصلوا على بعض الوظائف صدقوا أنفسهم، ويريدون من الناس أن يصدقوهم، على أنهم ذوو مكانة وأرقام صعبة ومعادلات، وهم فى أحسن أحوالهم أشخاص عاديون وضعتهم الظروف وحظهم الجيد فى هذه الأماكن أو الوظائف، بعض تصرفات هؤلاء فاتها أن تميز بين الإنجازات والتجاوزات، فالبعض اختلط عليه الأمر فلم يعرف كيف يميز بين ما هو إنجازات وبين ما هو تجاوزات، فكان مقلا فى الأولى ومكثرا فى الثانية، مراهنا أن الناس لا يميزون، لكن فاته أنه فى كثير من الأحيان الناس أكثر ذكاءً.
المطلوب فى ٢٠١٨ أن يختفى هذا الصنف من أصحاب الوظائف، التى مل منها الجميع، وأن يكون هناك بجانب المشروعات الكبرى إنجازات تصب مباشرة فى اهتمامات الناس ومصالحهم وحاجاتهم، بالنسبة للمواطنين يبدو أن القضاء على انتشار القمامة فى كافة الأحياء، شيء مهم وضروري، كذلك القضاء على اختناقات المرور أمر ملح ومهم، واحتلال المقاهى لمعظم أرصفة القاهرة ومداخل البنايات، مشاكل لا بد من إيجاد حل لها، سواء عن طريق أقسام الشرطة أو المحليات، وقبل كل ذلك السيطرة على قفزات الأسعار ومكافحة الغلاء ومراقبة الأسواق.
الشكر الحقيقى للشعب المصرى العظيم الموحد الذى تحمل ويتحمل ما لم يستطع أحد تحمله، الشعب الرافض للإرهاب والفتنة، والذى يتمسك بالأمل رغم كل الصور السوداء التى يحاول الإرهاب فرضها عليه.
الشكر للمصريين الذين يقوون دائما وحدتهم الوطنية الصامدة؛ لأنها الشرط الأساسى لحماية دولتهم.