يقول لانس فان سيتيرت: إن طبيعة الإمبريالية وعواقبها كانت نتاج التفاعل بين عوامل إمبريالية ووطنية. ويقسم الكاتب القرن التاسع عشر إلى مراحل، ويميز المرحلة الأولى (١٨٨٤-١٩١٤) عن المرحلة التالية التى تعرف باسم «الاستعمار الكبير» (١٩١٨-١٩٣٩). كما يؤرخ حقبة «نهاية الإمبراطورية» من الحرب العالمية الثانية (١٩٣٩-١٩٦٠) قبل أن يميز شهر العسل بعد الاستقلال (١٩٦٥-١٩٨٠) عن الفترة الليبرالية الجديدة التى تلته. ومن خلال النصف الأول من القرن العشرين تم تحويل الموارد والسكان الأفارقة إلى مصادر للمواد الخام وأسواق للاقتصادات الصناعية الأوروبية. ونجم عن ذلك تكوين «اقتصاديات مفتوحة» ذات المحصول الواحد أو المعدن الواحد. وشهد النصف الثانى من القرن العشرين موجات من المذاهب الشعبية والقومية والاشتراكية، وشهد أيضًا إخفاقًا فى كسر هذه الروابط التاريخية. وذلك عن طريق الاتجاه نحو تصنيع ما كان يستورد كما يجرى فى أماكن أخرى فى الجنوب، ولكن هذا الاتجاه لم يدم إلا فترة قصيرة من الوقت، ولم يحقق كثيرا من النجاح. وسرعان ما شهد الركود الغربى من منتصف السبعينيات طلبًا على المواد الأفريقية الخام إضافة إلى انهيار شرعية الدولة.
وفى فترة ما بعد الحرب الباردة منذ ذلك التاريخ انتهجت معظم الحكومات الأفريقية – بشكل بطيء ولكن بخطى واثقة – المنهج الليبرالى الجديد الذى وضعته واشنطن.
ويشير فاروق تاباك إلى اتساع الفجوة فى الدخل بين الشرق الأوسط والشمال نتيجة ثلاث عمليات. العملية الأولى هى التغيرات السريعة فى المنطقة خلال فترتى الهيمنة الغربية، والتى تناقضت تمامًا مع التحولات البطيئة والمرتبطة بحق الصراعات الإمبريالية. ثانية هذه العمليات هى الانتقال من النظام البريطانى إلى النظام الأمريكي، أى من إمبراطورية رسمية إلى إمبراطورية غير رسمية، عبر القرن العشرين، مما أسهم فى تعميق الاتجاهات القائمة. وقد حققت محاولات المنطقة تصنيع ما كان يستورد، ونجحت مرات وفشلت مرات أخرى مع وصول النمو الاقتصادى إلى أعلى معدلاته خلال ما يعرف «بالعصر الذهبى» فى مرحلة ما بعد الحرب. ثالثة هذه العمليات هى ما يعرف باسم «الأسباب البنائية». بما فى ذلك طبيعة الاقتصاد الزراعي، وهى الأسباب التى تفسر لنا الأداء الاقتصادى الذى لا يمكن وصفه بأنه مقنع أو مرضٍ لأحد.
ومع الاعتراف بأن التطورات التى حدثت فى أعقاب الحرب العالمية الثانية قد غيرت الرأسمالية – مع انحسار الاستعمار ومدرسة إدارة الطلب لكينزى وإجراءات الرفاهية – يصر باتنيك على أن التطورات التالية توحى بأن العصر الذهبى كان أمرًا استثنائيا.
وفى حين لا تعد عولمة رأس المال فى الوقت الراهن أمرًا جديدًا، يقول إن تدفقات رأس المال المعاصرة لا صلة لها بالحساب الجارى لميزان المدفوعات، ومع أن الاستثمار الأجنبى المباشر عادة ما يشتمل على حركات ملازمة للسلع فإن التدفقات المالية القصيرة الأجل لا تشتمل على هذه الحركات. ومن هنا فإن السيولة المعاصرة لرأس المال تقوم بوظيفة التمويل، وليس ضخ رأس مال فى عملية الإنتاج. وهو أمر شديد الاختلاف عن أوقات هيلفير دينج ولينين.
ويقول باتنيك إن الآثار البعيدة المدى لعولمة رأس المال التمويلى على مستويات معيشة العمال والفلاحين كانت شديدة القسوة فى دول العالم الثالث، فالسيادة الاقتصادية والسياسية لهذه البلدان تم تطويقها، كما أن أصولها الاقتصادية – وخاصة فى القطاع العام – قد تحولت إلى القطاع الخاص، ووقعت فى أيد أجنبية، مع تقلص القوة الشعبية السياسية. وضعفت الديمقراطية فى حين تم تشجيع نزاعات الهوية بين أفراد الشعب، مع إضعاف قدرتهم على مواجهة السلطة الجديدة. وردًا على ذلك، يعطى الكاتب الأولوية لتقوية الدول الأممية المستقلة لقواعد طبقية بديلة وبرامج اقتصادية تنموية بديلة لوقف العولمة، بل وقلبها رأسًا على عقب، والضغط على الدول لاتباع خطط تنموية تكافؤية وواسعة القاعدة، مع حماية الحقوق الديمقراطية للشعب.