تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
تصور أنك تعانى مغصًا شديدًا بالمعدة، يداهمك من آن لآخر! ولا تداويه بشىء غير الشكوى الدائمة! وتَناولت مُخدِّراً قوياً، طويل المفعول! فتلاشت حدة الألم، رغم تفاقمه! وأنت تعرف! لكنك اخترت أيسر الحلول! حتى اقتربت من نقطة الانهيار!
من المسئول عن سقوطك؟! الطبيب أم البشر أم القدر أم أنت ولا أحد غيرك؟! لأنك لم تتوجه إلى الإخصائى المناسب، أو تتعاطى الدواء المطلوب، أو تتخذ التدابير المُحكمة! بل اختصرت مشقة الطريق، وأدرت ظهرك للوجع، رغم توغله! بدلًا من العلاج الحقيقى!
تصور أنك دولة، وإن كُنت كذلك! قلبك وأذنك وأنفك وعينيك وأعضاؤك كافة؛ الظاهرة، والباطنة هى مختلف المؤسسات بها! ودماؤك المتدفقة هى العقول التى تديرها! ثم لاحظت شروخًا عميقة، تلتهم جدران كل الإنشاءات! وتَعَسَّر سَريان الدم فى الشعيرات! فوقفت عاجزًا، مذهولًا، منكوبًا! ثم تعاطيت مختلف المُسكنات! حتى تهاوت تمامًا كل قواك!
من المسئول عن تلك الفاجعة؟! هل ستدقق النظر فى مرآتك الذاتية، التى لا تكذب؛ لترى التفاصيل الناصعة؟! هل تملك شجاعة الاعتراف الكافية؟! أم سَتُلْقى بكل الأسباب والأعباء على جميع الأعضاء! وربما إلى الكون والأرض والسماء! هل ما زلت تحتفظ بإنسانيتك، أم أنك حنَّطها، أو جمَّدتها، حتى انتهت صلاحيتها، وأصبحت بلا مُحتوى؟!
كيف نُغيِّر، ونحن لا نُفكِّر، ولا نَفهَم، ولا نفعل، ولا نَتَغيَّر؟! وهو قانون الله الذى كشَف عنه فى عظيم كتابه، وفَصيح رسالاته، وعبقرية مخلوقاته! نحن ما زلنا نُكفِّر الآخر! نُفرِّق بين الأديان! نعتقد أن الجنة حكرًا علينا! رغم أن رحابة السماء تتسع للجميع! ولا أحد يُمنَع من رحمة الله!
ألا ترى أن «شكوى الإنسان حقارة ما دام على قيد الحياة»! ألا تدرك أن «الظلام لا يمكن أن يطرد الظلام، بل الضوء وحده يستطيع أن يفعل ذلك! والكراهية لا يمكن أن تطرد الكراهية، بل الحب فقط يمكنه أن يفعل ذلك!»، وهما فكرتان مُلهِمتان للأديب المصرى الفرنسى «ألبير قصيرى» والمناضل الأمريكى «مارتن لوثر كينج» إلى كل شعوب العالم!
هل حقًا نشَبت النيران فى المصلين بمسجد «الروضة»؟! أم أنها مُشتعلة فى روح مصر النضرة منذ سنوات طويلة؟! بسبب إهدار الطاقات الخلاقة، ضياع المسئولية، رُخص المصالح، فَساد النفوس والضمائر، القفز فوق القانون، انتهاك الحريات، الغرق فى بحيرات الفقه الراكدة، ومستنقعات الهلس والجنس والخرافة!
إن المشهد يزداد قتامة! أحوال معيشية متدهورة، تدمير وعنف مفزع، أفراد ملتاعة ومشوشة، شباب عاجز أمام تعقد أزماته اليومية، بسطاء لا يجدون أمامهم سوى تصديق فوضى الفتاوى المتعفنة التى طالت تفاصيل حياتهم إلى حد مؤذٍِ ومخجِل ومُهين!
«كلنا مسئولون؛ مسلمون، مسيحيون، رجال، نساء، علماء، أدباء، إعلاميون، سياسيون، مثقفون، فنانون، قيادات! عن تلك المجازر الماضية والحالية! التى لم تستهدف أطهر بقعة فى شمال سيناء، بل استهدفت روح كل المصريين! وليس أمامنا جميعًا فى تلك اللحظة بالغة القسوة سوى الإصلاح الحاسم والعاجل على جميع المستويات؛ السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، وفى مقدمتها مؤسستا التعليم والأزهر، وفتح أبواب الحوار الواعى، واحترام حق الاختلاف، والوُد، بدلًا من الطَّعن والمنْع والبُغض؛ لأن صدق الرؤية دون تضليل أو تبرير خادع هو وحده القادر على إخْماد نار الإرهاب المستعرة!
لا أحد ينكر حق كل مصرى ومصرية فى الاحتفال بالعام الميلادى الجديد، وحق كل منهما فى اختيار مكان ووسيلة الاحتفال، وأيضا الحق فى تقديم الهدايا أو توجيه الرسائل، ولكن أليس هناك حق مفقود وضائع يستوجب علينا جميعا تقديمه فى هذه المناسبة لوطننا مصر؟