ونأتى بعد ذلك إلى تقريظ مختلف تمامًا لأن كاتبه مختلف تمامًا، نحن الآن فى حضرة الدكتور شبلى شميل، ويبدأ شميل كاشفًا دور الأب حفنى ناصف فى طلب التقاريظ، فالتقريظ الذى كتبه وجهه إلى «سيدى الأستاذ الفاضل حفنى بك ناصف المحترم» ويقول إنه طالع المقالات «معجبًا بعلم صاحبتها ودقة نظرها، ولا سيما إقدامها فى مجتمع لا يزال يعتبر الخروج على المألوف مهما كان شأنه بدعة مذمومة مما دل على أن علمها الواسع لم يبق فى رأسها عقيمًا كما هو الحال فى رءوس أكثر رجالنا حتى اليوم، لم أقل نساءنا لئلا أبخسها حقها من الفضل المتقدم بين الناس وهن غالبا كما هن جزء عاطل فى جسم المجتمع. فباحثة البادية بين النساء المصريات بل المسلمات الشرقيات عموما لا يقل عن فضلها فى مواجهة مساوئ الأسرة عندنا والحض على وجوب تعليم المرأة لتحرير عقلها وتقويم أخلاقها بالعلم الصحيح، عن فضل قاسم أمين فى وجوب تحريرها وإن كانت لم تطلب لها هذا التحرير إلى الغاية القصوى مثله لأنها لم تطلب إلغاء الحجاب بالكلية، وهو رأى فى نظر البعض وجيه عند أولئك الذين يقولون إن الطفرة محال ويخشون الانتفاضات العنيفة فيطلبون الإصلاح بالتؤدة واللين خوفا من تصعيب المطلب بما يحول دون بلوغه، ومها يكن من الأمر فإن رأيها هذا فى نظرى لا ينافى رأى المطالبين اليوم بالسفور المطلق، وما هو إلا حذر لفظى لأن رفع الحجاب المعنوى عن العقل لا بد وأن يؤدى إلى رفع الحجاب الحسى عن الجسم، كما أن رفع الحجاب الحسى دفعة واحدة لا يرضى به حتى المحجوب نفسه إذا لم يرفع حجاب الجهل عن عقله» [صـ١٧١]، ثم لم يلبث شبلى شميل أن يلقى واحدة من قذائفه التى اشتهر بها فيقول: «فتحرير العقل إلى الغاية القصوى لا يتم بدون تحرير الجسم إلى الغاية القصوى أيضا»، ثم نتابع سريعا بعضا من تقريظ شبلى شميل إذ يقول: «فالمرأة منذ القديم مظلومة مهضومة الجانب من الرجل لأنه أقوى منها، وهى مظلومة فى كل الشرائع دون استثناء لأن واضعيها رجال» ثم يقول «وهكذا استبد الرجل الخشن بالمرأة الضعيفة الجاهلة فحرص عليها الرجل الفقير حرص المالك على ملكه النافع له واستخدمها أحيانًا كما يستخدم الحيوان، ولكن الحيوان عنده بثمن بينما هى بلا ثمن، ولم يستمسك كثيرا بالحجاب لأن الفقر كان يطفئ فيه آياته الشهوانية، أما الغنى فقد حرص عليها حرص من يغار عليها فدفنها حية فى قبور من القصور وكفنها بأكفان من الحجاب حتى إذا برزت من خدرها مشت متثاقلة كالبرميل وهى تهتز على محورها وتتعثر بظلها وإذا مات وئدت معه حية» ثم يتحدث عن المرأة زوجة الغنى فيقول «حتى قتل الترهل قواها الجسدية وقتل الجهل مواهبها العقلية والرجل يحسب أنه بذلك صانها وصان نفسه وهو ما صان إلا جهله، والمرأة مرآة الرجل، فإن كانت جاهلة فهو جاهل، أو عالمة فهو عالم، وما صان الجهل آدابا، ولا أوصد أبوابا، ولا أعز أمة من الأمم، ومواجهة الحجاب الحقيقى تعنى توسيع العقل بالعلم الصحيح وتقويم الأخلاق بالتربية القويمة، فالذى قيادة بيده أقوى ممن كان قيادة بيد سواه». ويواصل شبلى شميل مناقشته للموضوع الأثير لديه وهو الحجاب، ويقول «الحجاب بقية باقية من أنواع الظلم التى لحقت بالمرأة من أول عهد التاريخ إلى اليوم»، ثم يقول «وهو سبب عيوب الأسرة المصرية الشرقية عموما، ثم يقول: إن فرض الحجاب هو سلب لحرية المرأة «فإذا سلبت المرأة من الحرية عرج المجتمع ومشى على رجل واحدة» ثم يقول إن بعض القادة يجيز الحجاب نفاقا لأن أصحاب العمائم ينقلون الحوار من أن يكون بين الناس بعضهم مع بعض إلى بينهم وبين الله سبحانه فيصمت المعارض ويكون صمته عونا للجهلاء، ثم يقول:
«وقد يتصور البعض أن ذلك صواب كما فعلت الحكومة العثمانية الدستورية، إذ ظنت أنها حكيمة إذ تستهدف أن تدفع عن نفسها شر الجهلاء، ولكن الجهلاء لا يسكتهم إلا العدل الصحيح، وما أشبه سلوكهم وفى هذه المسألة بسلوك أحمد عرابى إذ قام يالتبرك بالأحجبة ولبس المسابح فى رقبته ليتقرب إلى العامة وهو يحسب أن النصر له من تأييدهم له، وما كان له من ورائهم إلا الفشل» [صـ١٧٥]، ثم يقول «على أن النهضة التى قام بها قاسم أمين منذ سنين قليلة وتلته فيها باحثة البادية والتى نراها تتجسم كل يوم كما يتضح من تكاثر الباحثين فى هذا الموضوع وميل الكثيرين إلى شد أُذرها تبشرنا أن مساعى المصلحين وإن لم تظهر نتائجها اليوم فلن يمضى زمن قصير حتى تجنى منها الأجيال القريبة الفوائد المطلوبة إذ تنقضى الرءوس البالية بما فيها من الأفكار المتعفنة وتنهض العقول الجديدة على المبادئ الجديدة الموافقة لمصالح الإنسان، والمتغيرة بتغير روح العصر طبقا لاحتياجات كل زمان عملا بسنة الارتقاء وغلبة الأصلح. فالعلم الصحيح والاختبارى هو دين أيضا» [صـ ١٧٦]، وهكذا ننتهى من استعراض الكتاب الأكثر أهمية فى مطلع القرن الماضى [١٩١٠] فى معركة تحرير المرأة، ويبقى أن نلاحظ أنه كان تحريرا للمرأة يتسم بأنه محافظ ومتردد ونلاحظ أيضا دور والدها حفنى بك ناصف فى الترويج للكتاب مستخدما نفوذه الأدبى فى ذلك، ونلاحظ أنه اختار من كتبوا التقاريظ [وهم سبعة منهم – ٤ ذوو توجهات دينية أغلبها متشدد وشاعران شوقى وإسماعيل صبرى ثم شبلى شميل].
.. ولعلى لا أبالغ إذ أؤكد أن كتاب «النسائيات» برغم كل عيوبه والتقاريظ بما فيها هى فى مجموعها صورة صادقة وواضحة لما كانت عليه مصر فى عام ١٩١٠.. وهذا هو أهم شىء فى اعتقادى.