أصبحنا نستحضر روح "البيرونى" إثر كل حادث طائفى. نعم إنه ذلك الشخص الذى خصص فى كتابه فصلا كاملا عن المغناطيس تلك المادة المعدنية التى تجذب كل المعادن إليها فى مجالها الممغنط.
تحتقن الأحداث إثر أى حادث طائفى بيد بعض الجهلاء ليس جهلا بالعلوم بل جهل الإدراك ولكن لا نعيب على هؤلاء فالجهل نقمة ولكن الحماقة مجموعة من النقمات.. جرس كنيسة أو بناء مبنى أو اختفاء شخص مسلم كان أو مسيحى أثار ضجة بعض هؤلاء الجهلاء. ولكن اقتسم معهم جهلم هؤلاء النشطاء أو الذين يطلقون على أنفسهم هكذا!. وأخذوا يتبادولون الخبر بحرارة وبإضافة البهارات النفسية لإثارة النفوس وتجيش العقول والحصول على أكبر عدد من (الشير واللايك) وربما زيادة عدد المتابعين لصفحاتهم وأصبحوا مغناطيسًا يجذب جروح الناس ويعزف على أوتار أوجاعنا جميعًا.
ولكن هل يكون حل مثل تلك الأحداث النارية حلولا نارية أكثر؟ هل تبنى الدعاية للاحداث الطائفية هو سمة نزيهة لنشطاء السوشيال ميديا؟ إن كانوا مدركين أم لا.
فإن كانوا يعتقدون أن ذلك حماية للدين فحقيقة هو العكس تمامًا فسواء الاستماتة فى الدفاع عن دين أو الاستماتة فى إظهار للعالم كله صورة الاضطهاد الشامل والتى ترتقبه منظمات حقوق الإنسان المغرضة منها اليوم لتقنع حالها أن مصر دولة الفتن والقمع - فما هو إلا تشويه للدين وأن من يمثل دينه بهذه الصورة ما هو إلا تاجر بضاعته من دماء أهله ووطنه.
وإن كان ذلك تخيلا عقيمًا أن بتلك الطريقة سيصلح من وطنه فأى إصلاح ذلك الذى يأتى باحياء النيران أكثر؟ أن إصلاح أى سقم فى ظهر الوطن لا يتم إلا بجراحة دقيقة من طبيب ماهر حكيم فى غرفة عمليات محكمة تحافظ على خصوصية المريض ومرضه بنية خالصة نزيهة خالية من أى تشهير أو نشر أو طعن فى الأمن القومى للوطن. أما اذا كانوا يدركون عواقب مايفعلوه ولكنهم لا يعبأوا سوى بازدياد التفاف الآخرين حول مجالهم الممغنط اذا فهم حماة الهوى الشخصى الذى يتنافى مع كل أصول الوطنية والمواطنة والتدين ..فجميع الاديان أوصت بالوطن فكيف أن ندعى أننا حماة دين ونحن نطعن فى الوطن بهذا التشهير وزيادة الاحتقان؟
لذا على كل مواطن عاقل مصرى متدين وطنى وكل مسئول عن الأمن القومى أن يعلم ويدرك اليوم أن من يستخدم مساحة حريته بالقاء جمرات النار أكثر وتسليط الضوء على الأحداث المتوهجة دون أفعال حقيقية ما هو إلا شخص لا يعتلى قلبه الدين ولا الوطن بل الهوى الذاتى ولابد أن يُحاسب ولأنه يعلم أن أقصر طرق الشهرة والتواجد على الساحة وأرخصها هى مخاطبة جروح الناس لا مخاطبة مشاكل الوطن والمشاركة فى حلها ولعل كان بالأجدر لهم أن يحجزوا صفحة فى كتاب البيرونى (الجماهر فى معرفة الجواهر) ولكن هم ليس بجواهر بل مصر الغالية هى الجواهر النفيسة الحقيقية.