"شهيد يودع شهيد.. وفيت لأرض الوطن.. يوم اللقا كان عيد.. في الجنة خُلد وسكن"، كل يوم تُشرق شمس البطولة على أرض المحروسة فيطل علينا رجال القوات المسلحة المصرية البواسل بملحمة جديدة من ملاحم التضحية والفداء، ملحمة سطروا فصولها بدمائهم الطاهرة الذكية، ذودًا ودفاعًا عن أرض الوطن الغالي، لتظل رايته الطاهرة خفاقة تعانق السحاب.
رجال صدقوا أنفسهم وصدقوا وطنهم، وقبل هذا صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فما أن يُقدم أحد رجالنا الأبرار روحه الطاهرة، مرتقيًا لجوار ربه، حتى تزأر الأسود من خلفه، نعاهدك على الثأر ونلقاك عما قريب، تُقام المواكب يزينها علم مصر، فتتحول الجنائز لأعراس تختلط خلالها "الزغاريد" بالدموع والزفرات آلمًا على الفراق، وبين عزم على الثأر ورغبة في الفوز بالشهادة تختلط مشاعر الرجال، "فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر"، ينظر الفوز بإحدى الحسنيين، إما بطلًا مُدون أسمه بحروف من ضياء في سجل الشرف، أو شهيد في زمرة النبيين والصديقين، ولم يكن الشهيد العقيد أحمد صابر المنسي قائد الكتيبة 103 صاعقة بشمال سيناء، الذي ارتقى لجوار ربه -يوم 7 يوليو الماضي، برفقة 10 من جنوده خيرة أبناء مصر الأبرار- آخر من عاهد على الثأر واللحاق بمن سبقه، فهو من نشر تدوينه له على أحد مواقع التواصل الاجتماعي عن الشهيد العقيد رامي حسنين، أحد أبطال الصاعقة المصرية، وقائده السابق بالكتيبة 103 صاعقة، قال خلالها يوم استشهاد "حسنين": "في ذمة الله أستاذي ومعلمي، تعلمت منه الكثير، الشهيد بإذن الله العقيد رامي حسنين، إلى لقاء شئنا أم أبينا قريب"، وكأن الشهيد "المنسي" أعد عدته ووهب نفسه شهيدًا، فأخلص في الهبة ليتقبله الواهب سبحانه، ولهذا الموقف دلالة كبيرة، ورسالة عظيمة، مفادها أن رجال مصر ثابتون في المضي إلى الأمام بإيمان وعقيدة راسخة، لا ينظرون للخلف ولن يعودوا للوراء مهما كانت التضحية، أمنوا أن أرواحهم لا تُساوي شيء إن كانت في سبيل الله والوطن، وأن استشهادهم إيذانًا بميلاد جديد لحياة أخرى في مقعد صدق عند مليك مقتدر، والحق يُقال لم تكن هذه عقيدة الشهيد المنسي فحسب، بل هي عقيدة تربى عليها أبناء المؤسسة الوطنية والعسكرية المصرية، فكما ضرب الشهيد "المنسي" مثالا في التضحية، طالبًا من ربه أن يجمعه بقائده ومعلمه، خلف من خلفه رجل أحبه فتضرع إلى الله أن يُلحقه به أيضًا، إنه الشهيد النقيب وائل محمد كمال، الضابط بالكتيبة 103 صاعقة، والذي استشهد في استهداف مطار العريش قبل أيام قليلة، وأوصى "كمال" قبل رحيله إن توفاه الله أن يُدفن بجوار صاحبه ومعلمه الشهيد المنسي، وتنفيذًا للوصية خرجت الجنازة تسير في شوارع العاشر من رمضان لتنفذ أسرة الشهيد التي تقيم في المعادي وصيته بدفنه حال استشهاده بجوار قائده الشهيد المنسي، وإنه حب في الله والوطن لو تعلمون عظيم، فهم رجال يسلمون الراية لرجال، وأبطال تطلب الشهادة لتلتحق بالأبطال، وعيون ساهرة لا تنام ليغمض أبناء الوطن أعينهم في سكينة وأمان، حتى نقولها بيقين "لله رجال يا وطن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون".