الثلاثاء 02 يوليو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

اللغة العربية والهندسة اللسانية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يعيش العالم الآنَ عصر المعلوماتيِّة بمعناها الواسعِ، وهو العصرُ الّذي أصبحت فيه تقنيةُ المعلومات من أهم منجزاتِه وسماتِه، ويمثل الحاسوب، محورَ الحياةِ العلميةِ والعمليةِ ومركزَ دورانِها، وأعتقدُ اعتقادًا، ليس بالظنِّ، أنّ الواقع المعاصرَ لا يحتاج إلى زيادةِ تأكيدٍ، أوْ حتّى تنبيهٍ، على الأهميّة التطبيقيّة للحاسوب في شتّى مَنَاحي الحياةِ المعرفيّةِ: نظريّةً، وعمليّةً.
ويفرضُ علينا الواقعُ المعاصر، في هذا الإطار، ضرورةَ الإيمانِ بأنّ أيَّ تقدم علميّ في أيِّ علم من العلوم التطبيقية أو النظرية، ومن بينها علوم اللغة العربية، مرهونٌ بمدى قدرة المتخصصين في هذا العلم على استغلال الطاقات الإبداعية اللامتناهية للحاسوب، وعلى تحديدِ أهمِّ المشكلات العملية التي تواجههم في مجال تخصصاتهم، ومن ثَمّ ابتكار التطبيقات (البرامج) التي تمكنهم من حَلِّ هذه المشكلات حاسوبيًّا. 
وقد أَدَّى ظهورُ الحاسوب، في منتصف القرن الماضي، وتطورُ تطبيقاتِه، واشتغالُ اللغويين عُمومًا، وفي معظم لغات العالم، بهذه التطبيقات، إلى ظهورِ علمٍ بَيْنِيٍّ جديدٍ يتفرعُ عن علم اللغة التطبيقي (Applied linguistics) يعرف بـ: (علم اللغة الحاسوبي، أو الهندسة اللسانية) (Computational linguistics).
وعلم اللغة الحاسوبي أو الهندسة اللسانية علمٌ بَيْنيٌّ جديدٌ ينتسب إلى اللسانيات من جهة التنظير اللساني، وينتسب إلى علوم الحاسب من جهة تطبيق النظريات الرياضية والمنطقية الخاصة بقواعد المعالجة الحاسوبية، ومن ثم يُعْرَفُ بأنه: علم دراسة أنظمة الحاسوب لغرض فهم وتوليد اللغة الطبيعية، ومن ثم سعت اللسانيات الحاسوبية بشكل مباشر وواضح إلى أن يمتلك الحاسوب كفاية لغوية تشبه ما يكون للإنسان عندما يستقبل اللغة ويدركها ويفهمها ثم يعيد إنتاجها على النحو المطلوب بعد ذلك، ويتم ذلك حاسوبيا من خلال تنميط الاستعمال الإنساني للغة، أو نمذجته، وذلك بوضعه في قوالب صورية تجريدية لا تعترف بالظن أو الاحتمال، وبأنْ تنتهي المقدمات النظرية للقضايا المطروحة بنتيجة واحدة لا تقبل المشاركة مطلقا.
والمتأمل في الواقعُ المعاصرُ لمعالجة كثير من اللغات الحية حاسوبيا، نحو: الإنجليزية، والفرنسية، والإسبانية،...، وما حققته هذه اللغات في مجال حوسبة علومها، ومقارنة ذلك بما حققته اللغة العربية في مجال حوسبة علومها، يدرك أنّ أمام اللغويين العرب جسرًا يفصل العربية، ويفصلهم، عن عصر المعلوماتية، ويتحتّم على اللغويين العرب ضرورة عبور هذا الجسر حتى لا تزداد الهوةُ اتّساعًا بين اللغويين العرب والحاسوب من جانب، وبين اللغة العربية والحاسوب من جانب آخر.
فثمة بعض المشاريع الخاصة والعامة التي تسعى إلى حوسبة علوم اللغة العربية لكنها في مجملها يغيب عنها الغطاء الرسمي المؤسسي ويغلب عليها سمة الذاتية والفردية، وهي السمة التي لا يمكن أن تنتج رصيدا معرفيا ذا بال في هذا الأمر، كما يغلب عليها النقص الواضح في الخبرة الحاسوبية القادرة على إنجاز مشروعات جديرة بالاحترام في سلسلة مشاريع حوسبة علوم اللغة العربية.
إنّ ما أنجز من مشاريع حوسبة علوم اللغة العربية، الفردية والجماعية، لا يزال دون المستوى المطلوب الذي يُمَكِّن اللغة العربية من الدخول بقوة في عصر المعلوماتية، وبناءً على كل هذه النتائج، وعلى ما تتطلبه معطيات العصر الحديث، عصر المعلوماتية، أودّ أنْ أُلفت النظر إلى ضرورة أنْ يلج اللغويون العرب مجالَ علم اللغة الحاسوبي؛ ذلك أنّ اللغةَ العربيّةَ مهددةٌ بهوةٍ لغويةٍ (Linguistic divide) تفصلُ بينهَا وبينَ اللغةِ الإنجليزيّةِ السائدَةِ، وهِيَ الهوةُ التي تُمَثِّلُ الشِّقَّ اللغويَّ للهوةِ الأشملِ، ونقصدُ بها: الهـوةَ الرقميةَ (Digital divide) الأشملَ التي تفصلُ بينَ دولِ العالمِ المتقدمِ ودولِ العالمِ النامِي، فهل يمكن أن يكون ذلك هدية يقدمها اللغويون العرب للغتهم في يومها القادم؟.
____
عن الكاتب
أستاذ علوم اللغة ووكيل كلية الآداب جامعة المنصورة