حينما أراد إبليس أن يخدع آدم.. ارتدى ثوب النصح؛ فقال له: هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى؟.. الخلد ومُلْك لا يبلى؟!.. نعم يا آدم.. نعم يا حواء.. ألا تدريان لماذا نهاكما الله عن الاقتراب من هذه الشجرة وعن الأكل منها؟.. لماذا يا إبليس؟.. ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا مَلكين، أو تكونا من الخالدين.. كيف ذلك؟.. لا، لن نأكل من الشجرة.. لن نفعل.. لقد نهانا الله عن الأكل منها.
لم يهدأ إبليس ولم يسكن، وظل يُقسم ويغلِّظ الأيمان على أنه لهما لمن الناصحين.. إنكما إن أكلتما من هذه الشجرة التى نُهِيتُما عن الأكل من ثمارها؛ لتكونن مَلكين أو تكونن من الخالدين.. فخدعهما بغرور منه، وزيَّن لهما الفعل بزخرف من القول.. ولم يتصور آدم وحواء أن إبليس يمكن أن يُقسم بالله كذبًا.. فأكلا منها؛ فأصبحا من النادمين!!
لقد نجح إبليس فى إغوائهما، واستجابا له.. وغاب عنهما التحذير الإلهي: يا آدم إن هذا عدوٌّ لك ولزوجك.. فلم يدرك آدم أن هذا لم يكن نصحًا وإنما كان انتقامًا.. فقد أراد إبليس أن يـُخرج آدم من الجنة.. آدم الذى فضَّله الله عليه وأمره بالسجود له.. ولكنه عصى ربه ولم يسجد رغم سجود الملائكة أجمعين.. يا إبليس ما منعك أن تسجد؟.. قال: أنا خير منه!!
أنا أفضل وأعلى مرتبة!! خلقتنى من نار وخلقته من طين!! هذا هو معيار الأفضلية عند إبليس!! مَن قال لك يا إبليس إن النار خير من الطين؟! ربما كانت كذلك؛ لأنها سوف تأكل العصاة والمجرمين.. ولكن لا نظنك تقصد ذلك، فأنت أول من ستأكله النار التى زعمت أفضليتها!!
وبالغواية ذاتها التى أغوى بها إبليس آدم.. غواية شجرة الخلد والملك الذى لا يبلى.. تسلَّط بها على أبنائه مِن بعده.. فرغم أن كل إنسان يؤمن بحتمية موته وأنه لا مهرب منه.. إلا أنه يتصرف وكأنه خالد لن يموت.. ويتشابك هذا الإحساس بالخلود مع غريزته فى حب التملك.. ثم يأتى الموت؛ فيفقده الخلود والملك معًا!!
إن إبليس يُوهم الإنسان أنه يُقدم له كلَّ شيء.. ولكنها أشياء وهمية، لا محالة زائلة.. يقدم له مكسبًا عاجلًا مقابل خسارة دائمة.. يقدم له سعادة زائفة مقابل تعاسة أبدية.. كل ذلك من أجل أن يؤمن به؛ ومن ثَم يفقد إيمانه بربه.. فإذا ما فعل الإنسان ذلك؛ قال له إبليس: إنى بريء منك، إنى أخاف الله رب العالمين.. ثم يقول لله: ما كان لى عليهم من سلطان.. هذا ما يريده إبليس منا، وهذا ما يتمناه لنا..
وكما أن إبليس من الجن؛ فإن من الإنس أباليس كذلك!! فكثير هم الإنس الذين يُلْبِسون غاياتهم السيئة ثوبَ النصيحة.. وكثير أولئك الذين يدعون أنهم لك من الناصحين.. وربما كان ناصحوك من الأباليس وأنت لا تدري.. فلا تعطِ كل الناصحين سمعك.. إن أباليس الإنس أشدُّ مكرًا وخطرًا من أباليس الجن.. فإبليس الجن لا يملك إلا الوسوسة.. يوسوس لك دون أن يكون له عليك سطوة أو تحكُّم.. والخيار لك؛ فيمكنك أن تفعل أو لا تفعل.
أما إبليس الإنس فيمتلك أفعالًا مادية.. يتسلط عليك مثل رفيق السوء.. إبليس الإنس يُغلق فى وجهك أبوابَ الخير.. ويفتح لك أبواب الشرور.. لا يحب لك الخير.. يتظاهر لك بالنصح وهو من المخادعين.. يُحرضك على الأكل من الشجرة المحرمة، ويوهمك أنها شجرة الخلد.. فتصبحان فى الإثم شريكين.. يعطيك من طرف اللسان حلاوة، ويروغ منك كما يروغ الثعلب.