رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الدراما حققت ما لم يحققه الاستعمار

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لم أشاهد المسلسل الجديد الذى يعرض حاليًا «سابع جار»، إلا أننى تابعت الآراء التى انتقدته بوصفه يروج للانحلال، بسبب ما يتناوله من علاقات غير سوية وأفكار لا تتناسب مع العادات والتقاليد أو تتوافق مع المجتمع المصرى، مثل أن يعيش رجل فى منزل فتاة دون زواج، وتكون فى نفس الوقت على علاقة برجل آخر متزوج!!.. أو أن يتناول الفتيات والشباب السجائر والحشيش والخمور بشكل طبيعى، وكأنه شيء عادى ونمطي!!.. كذلك الترويج لفكرة أن تنعزل الفتيات عن بيت الأسرة وتعيش فى شقة دون أسباب ترتبط بالغربة أو عدم تواجد الأهل!!.. أو أن يتزاور البنات والشباب ويختلى كل منهم بالآخر دون قيود!!.. وقد تعجبت من الضجة المثارة حول المسلسل، لأنه ليس أول من يقدم تلك النماذج بتلك الطريقة، بل أصبحت سمة عامة فى أغلب المسلسلات التى تعرض خلال السنوات الأخيرة، ورغم ذلك لم ينتفض المجتمع ضدها أو يرفضها!!.. بل يتابعها الكثيرون وخاصة فئة المراهقين والشباب، دون أن ندرك مدى تأثير تلك النوعية من الدراما التى تخترق بيوتنا.. بل على العكس نجد الصوت الأعلى يدافع عنها، بحجة أن الدراما يجب أن تعرض النماذج السلبية والشاذة باعتبارها جزءًا من الواقع!!

فرغم أننى نشأت فى بيئة حرة ومتحضرة، وتربيت فى أكاديمية الفنون بمعاهدها المختلفة كونسرفتوار وباليه وسينما ومسرح وغيره، والذى قد يعتقد البعض أن تلك الظواهر قد تكون موجودة فيه.. لكننى لم أشاهد تلك النماذج فى الواقع، ولم أر سوى التزام بالعادات والتقاليد وجوهر الدين بشكل كبير.. ربما كنا نجد بعض النماذج الشاذة، ولكنها كانت منتقدة دائمًا، ولا تحترم من الجميع.. ولكن المشكلة فى تلك المسلسلات أنها تصور تلك النماذج بشكل مقبول اجتماعيًا، وتقدمها كنماذج عادية، بل شخصيات محبوبة تصبح نماذج يتعايش معها الصغار ويتأثرون بها، وخاصة مع الإلحاح والتكرار!!.. من الطبيعى أن نجد الكثير من الأصوات التى تدافع عن هذا النوع من الدراما، وخاصة بين الفنانين، لأن الفنان بطبعه تكون لديه الرغبة فى التجديد وعرض النماذج المختلفة وكسر الاشكال النمطية.. كما أن صناع تلك الأعمال يستفيدون من إثارة الجدل، والتى تضاعف نسب المشاهدة وبالتالى تزيد الإعلانات والفائدة المادية!!..ولكن من الناحية الأخرى أين المسئولية المجتمعية والضمير الفنى؟!.. هل يقومون بذلك بعشوائية دون أن يفكروا فى تأثير ذلك على المجتمع وسلوك الأفراد، والتغير السلبى الذى يصيب الشخصية المصرية والعربية بشكل عام.. فما كنا نراه شاذًا ولا نقبله كمجتمعات، أصبحنا نراه يوميًا فى بيوتنا من خلال تلك المسلسلات، فنتعايش معه وتصبح الأشياء الشاذة والمنتقدة طبيعية بعد أن تعاطفنا مع أبطالها، فلا نتعجب بعد ذلك إذا شاهدنا تلك النماذج فى الواقع ووجدناها تنتشر فيما بيننا.. فالخطر الأكبر ليس على أجيالنا، ولكن على الصغار الذين نشأوا فى هذا المناخ الفنى، لم يروا «ضمير أبله حكمت»، و«أبو العلا البشرى» و«الراية البيضاء»، وغيرها من الأعمال الدرامية التى كنا نلتف حولها فنجد القدوة والنماذج الملهمة التى تؤثر فينا على مر السنين.. فهل مازلنا لا ندرك مدى تأثير الدراما فى تشكيل الوعى ونشر القيم الثقافية المختلفة، لقد كنا نفتخر دائمًا بأن المصريين استطاعوا الاحتفاظ بشخصيتهم المصرية التى استمدوها من حضارتهم العريقة، رغم ما مر بنا من فترات استعمار، وكنا نمازح بعضنا بأننا لسنا كغيرنا من الشعوب العربية التى تأثرت بلغة الاستعمار فانصهرت لغتهم الأم داخلها.. ولكن حققت الدراما ما لم يحققه الاستعمار!!..فبعد انبهارنا بالنموذج الأمريكى من خلال السينما والدراما الأمريكية، أصبحنا نستلهم شخصياتهم ونقلدهم، وأصبحت الموضة السائدة هى التحدث باللغات الأجنبية، أو الكتابة «بالفرانكوعربية» أو كتابة اللغة العربية بالحروف الإنجليزية، والتى يظن البعض أنها تعطيهم قيمة أكبر، حتى أصبحنا نحن أبناء الحضارة التى تمتد أكثر من سبعة آلاف عام، نسخًا ممسوخة صنعتها دولة عمرها أقل من ثلاثمائة عام!!...ربما أدركت الدولة بعد التجربة المريرة التى مرت بنا خطورة الإعلام ودوره، ولكن بالتأكيد مهما امتلكت الدولة من قنوات ووسائل لن يمكنها تحقيق ما تصبو إليه، دون الاستعانة بالمتخصصين والعلماء الذين يعون كيفية إحداث التأثير بالطرق العلمية.. فالفكرة ليست مجرد سيطرة على الوسائل دون القدرة على استغلالها وتسخيرها للاستفادة منها بالشكل الأمثل.. «إعطوا العيش لخبازه» كما يقول المثل الشعبى.. فليس بالاستحواذ على الإعلام فقط تسيطرون على العقول.