الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

عمود المقابر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كعادتى حينما يضيق صدرى أذهب إلى المقابر، شىء رائع أن تحادث قوما لا تأتيك منهم إجابة، أمامك مساحة من الخيال تضع فيها إجابتهم تتوقع وتتوقع، طرقت على أبواب أكثر من مقبرة.. وأنا أقول يا معشر الأموات هنا أو خارج هنا.. لى عندكم سؤال بل أسئلة.
لماذا نعيش ولماذا نموت وما جدوى الحياة؟ لما قتل النفس خطيئة ولما الانتحار كفر؟ أناس جاءت وذهبت دون أثر لم يتبق منهم سوى صور معلقة على الحائط، صراعات دامت لعقود من أجل إرث وكلهم تركوا الإرث وماتوا وما تبقى من الإرث سوى إرث من العداوة لأجيال لم تولد بعد.. إذا كان ليس بيننا نبى فمن سيجمع الشتات ويطفئ النار ويوقظ المشاعر؟ الحب والرأفة والتواد والتراحم أساطير تجدها فى الكتب، انتصار الخير فى النهاية لم نجده غير فى فيلم أبيض وأسود بعدما نضنى أنفسنا بحثا عنه بين مئات القنوات التى تتنوع فى عرضها بين قتل ودمار وحروب.. لا إجابة.. لا صوت.. أكرر.. وأكرر.. وأصرخ
يطل أحدهم برأسه من مقبرة على يساري: «دهى تقل راحتك يا بعيد، فيه إيه ياله، اقرا الفتحة يا حمار وامشي، ولا امشى مش عايزين منك فاتحة».
أسمع ضحك صديق الذى مات شابا من داخل مقبرته وهو يقول: «الحمد لله إنى خدتها من قصيرة، كان زمانى اتجننت دلوقتى زيك، ده ممكن تكون الدفعة بتاعتى كلها اتجننت يا رب ارحمهم، ثم علا صوته وهو يدعو من معه لقراءة الفاتحة لنا».
الحاجة أم محمد جارتنا تلك التى كانت قد غسلت وجهى بماء البول وأنا صغير حتى لا تتملكنى «السهوكة»، التى كانت قبل هذا الزمن عيبا، لم يكن من فى القبور يعلمون أنها ستصل بصاحبها إلى سدة الأمر، «قوم نادى على الصعيدى وابن أخوك البورسعيدي، سمعتها تأتينى من مقبرة بعيدة، جديدة، يرددها بعض الأموات حديثا والغالب أنهم ماتوا بعد غنائها.. ينهونها بكوبليه اللمة دى لمة رجالة.
الحاجة زينب والحاجة كريمة ومدام ألفت والأستاذ أحمد وعم بركات وعم خلف جميعهم أبلغونى السلام للأحياء واكتفوا بذلك.
صوت دافئ أتانى لماذا تجهد نفسك؟ عش كما يعيش غيرك.. تمتع ولو بالقليل.. أتمتع؟ فلتعطنى دليلا لشخص واحد يتمتع بالحياة، ومن فضلك، بعيدا عن الشعارات، لماذا تصمت؟.. أجيبك أنا لأن من يفهم يعاني.. فالحياة الآن اختلف تعريفها واختلفت عما جئنا إليها من أجله، الحياة الآن طفل ينجب من رحم يطعم من نهد منتفخ من حقد يشتد العود ما بين رحايا خلاف الأهل وحرب الدول وقتل الابن وهتك العرض وشذوذ وسحاق ولواط وتناحر أحزاب وحكومات وبعد هذا نطلب منه أن يكون ابن الخطاب، أيعقــــــــــل هذا؟ إننا كل لحظة ننجب محمد وعيسى وموسى والعذراء ونعلمهم أن يكونوا كفرة وجاحدين بكل ما جاء به الأنبياء، وبعد هذا كله إذا ما انتحرنا كفرنا وإذا ما قتلناهم كفرنا وإذا صمتنا مرضنا.. أليست تلك هى الحياة؟ الحياة هى أن يتعارف الناس ويتحاوروا، وهل يجدى أى حوار؟ وإذا كان يجد فلم لم يجد مع اليهود والأمريكان؟، بل لما لم يجد القول اللين من موسى لفرعون ومن محمد لأبوجهل ومن لوط لابنه؟ نحن لم نع الدرس جيدا.. والآن نطلب أن نتحاور، لن يجدى الحوار وأنت ضعيف، لذا لم يجد مع سائق الميكروباص والمدرس وضابط الشرطة ولا الموظف ولا أى مسئول، رد عليه القابع أمامه منفعلا.. لن يجدى معك أنت الحوار وأنت مضجر من كل شىء.. من قال لك إنك لست فى اختبار وامتحان وبلاء.. ما دمت كلفت بأمر فأنت أهل له.. اصبر.. واصبر.. وتمسك بالأمل.. واتبع الشمس يا بنى مهما كثرت الغيوم.