يطرح لقاء «الأقصر» هذا الأسبوع بإشراف من المجلس الأعلى للثقافة، والمعنون «التراث الثقافى غير المادى والتعليم- رؤية عربية»، وضمن الملتقى الدولى السادس للفنون الشعبية باسم رائد البحث الشعبى الراحل «محمد الجوهري»، يطرح عدة مسائل تنفتح على عقد صلة وصلٍ بين مناهجنا ومفرداتنا التعليمية التربوية والثقافة الشعبية بمحددها غير المادى أى الشفاهى، نموذج ذلك الأمثولة والأقوال السائرة، والحكاية بأنواعها، والسيرة، والنوادر، والألغاز، والأغاني، والأشعار.
كيف لنا أن نقترح آليات دمج التراث الثقافى غير المادى فى مناهج التعليم؟، بل كيف نجعل مما يُنظر إليه أنه مادة للترفيه والتسلية والإمتاع فقط منتوجًا يُفحص ويُغربل ويُنتقى منه - وهو ثروة ومكنز فيه ما يُستفاد ويُقدم - ما يلائم أن يصير نبعا لقيم تربوية وجمالية فى آن ما نفتقده فى معظم مفردات مناهجنا؟ وما جعلت أجيالنا تنفر وتشعر بالملل من دسامة ما يقدم لهم من وجبات تعليمية تلقينا ثم إجبارا بحفظ مصمت لدروس ستغادر أذهانهم فور ترك طاولة وورقة الامتحان!
التراث الشفاهى (اللامادي) بأنواعه التى تتيح أن نجعل منها مدخلا تعليميا لأبنائنا للحفاظ على هويتهم، وتنمية الوعى بما أنتجته الأجيال المتلاحقة وفق سياق ظروفها وحاجاتها، ولخلق حالة من الاعتراف كما الانتماء والشعور بمسئولية حفظه وصونه عبر تناقل وإثراء المُجدى والنافع منه كإرثٍ له أهميته التاريخية والاجتماعية القيمية، ويأتى مقترح الرؤية العربية لخلق تلك العلاقة والتأسيس لها ضمن ظروف نمر بها تنزع إلى ضغوط العولمة، والصراعات المسلحة والحروب، وتردى وتراجع البيئة الثقافية، وبالتالى فقر إمكانيات الصون والحفظ لذلك التراث مع ابتعادنا عنه، ومن ذلك فإن اقتراح إدراج الثقافة الشعبية بإرثها المادى واللامادى عبر مفردات المناهج التعليمية النظرية والتطبيقية يصب فى اتجاه ربط الأجيال بما تنتمى إليه وجرى تغييبه وتهميشه بحجج كثيرة أغلبها يضرب باتجاه توصيفات مجحفة وتصادر أهميته التى تتسرب فى تفاصيل حياتنا، وإن أنكر المنكرون المتعالون على تراثهم الذى هو مأكلهم ومشربهم وملبسهم كما ما يصدر عنهم من أقوال وأفعال.
وفى استعادة لما له علاقة بجدوى لقاء الباحثين والمهتمين العرب بالثقافة الشعبية وسبل توثيق علائقها بمناهج أبنائنا ما يُذكرنى بأشهر قضيتها ضمن سنوات ثلاث (٢٠٠٠- ٢٠٠٣) فى إحدى واحات جنوبنا الليبى
(براك / الشاطى) جمعا وتوثيقا وبحثا للحكايات الشعبية، إذ ما إن تشرع الراوية التى عادة ما تكون جدة أو أما فى استهلالها لطقس الحكاية حتى يتحلق حولنا صغار العائلة منجذبين لها، وما زلت أحتفظ بتسجيلات تمتد لساعات مع تلك الراويات تُظهر أصوات الصغار التى تلهج بكلمات تعجب أو استفهام أو ما يرسلونه من تعليقات تستغرب فعل البطل أو أحد الشخصيات، التسجيلات تلك كانت لأطفال الألفية الجديدة من شغفوا بالحكايات، أى أن ساعة أتيحت الفرصة لكى يستمعوا إلى قصص شعبية كانوا مستجيبين مستمعين بانتباه ورغبة، وذلك ما علينا أن نستثمره ونوظفه. أليست الرسوم المتحركة التى تعمر بها القنوات بعمومها ومحطات الأطفال بالخصوص كثير منها يعتمد تراثا وأبطالا يعاد تكرار حضورهم فى ذاكرة الأطفال؟.
ستكون مهمة لقاء الأقصر الدولى بالأهمية بما كان من حيث طرحه لمحاوره والتى على رأسها التعليم ودوره فى صون التراث الثقافى الشعبى بشقيه المادى وغير المادي، والتعليم ودوره فى مواصلة إبداع عناصر التراث الثقافى غير المادى واستمرار أدائها وممارستها، ومستقبل التراث الثقافى غير المادى فى ضوء الاضطلاع بمهمة انخراط نماذجه الملائمة عبر مناهج تعليمية تربوية تحاذى العلوم التى يتلقاها طلابنا تحت ظلال مؤسساتهم، وقد يصبح إدراج التراث الشعبى فرصة لمتنفس يكون عنوانه مقاربة لآبائنا وأمهاتنا، ومراجعة ذاكرتهم الحافظة المختزنة لما ننتمى إليه وتشدنا الأواصر له.