تُعد المواقع الإخبارية من أهم وأفضل الوسائل الإعلامية فى تغطية الأحداث والصراعات نظرًا لما تتمتع به من إمكانات تكنولوجية هائلة فى جمع الأخبار وتقديمها بشكل يتسم بالفورية والسبق مقارنةً بالوسائل الأخرى، وفى مصر برز دور المواقع الإخبارية فى إدارة العديد من الصراعات والأزمات التى مرت بها مصر مؤخرًا؛ حيث كانت فى مقدمة المصادر التى لعبت دورًا مهمًا وفاعلًا فى نقل أخبار هذه الأحداث وبثها وتداولها، حيث أفردت لها مساحات واسعة عبر مواقعها، وساهمت فى تزويد الجمهور وصانعى القرار بالمعلومات حول هذه الأحداث والأزمات المتلاحقة، بل وساهمت فى تشكيل اتجاهاتهم نحو هذه الأحداث.
ومع ثورة ٢٥ يناير وما أعقبها شهدت مصر أحداثًا عدة، استهدفت زعزعة استقرارها وأمنها القومى فيما سمى بـ«آليات حروب الجيل الرابع»، وكان أهم هذه الآليات: الأحداث الإرهابية وضرب البنية التحتية واستغلال بعض منظمات المجتمع المدنى وبعض النشطاء السياسيين، وتجنيد بعض الإعلاميين لتنفيذ أجندات خارجية خاصة، بل استُغلت بعض المواقع الإخبارية فى نشر أخبار دون التأكد من صحتها، ويمكن أن تكون مغلوطة للمساس بالأمن القومى المصرى اعتقادًا منها أن هذا يعد سبقًا صحفيًا، وهو ما جعل هذه المواقع تشكل ظاهرة إعلامية جديرة بالملاحظة والدراسة.
فى هذا السياق، قامت د. نادية عبدالنبى القاضى الأستاذ المساعد بقسم الإعلام بكلية الآداب جامعة المنوفية، بإعداد دراسة مهمة عنوانها: «اتجاهات النخبة نحو إدارة المواقع الإخبارية لآليات حروب الجيل الرابع فى مصر»، واعتمدت هذه الدراسة على قياس اتجاهات النخبة المصرية نحو إدارة المواقع الإخبارية لآليات حروب الجيل الرابع فى مصر وفقا للمستوى العام The Macro Level أى تقييم إدارة المواقع الإخبارية لآليات حروب الجيل الرابع فى مصر بصفة عامة من وجهة نظر النخبة المصرية.
وفى ظل الصراعات السياسية التى يشهدها الواقع العربى بوجه عام، وانعكاس ذلك على الداخل المصري، ظهر مصطلح حروب الجيل الرابع، للإشارة إلى محاولات الدول الغربية - بخاصة الولايات المتحدة الأمريكية - التلاعب بدول الشرق الأوسط، وتحقيق مخططها لتغيير خارطته إلى «شرق أوسط جديد»، باستخدام طرق جديدة لا تشمل الاحتلال الفعلى للآراضى والمواجهات المباشرة مع الجيوش النظامية، وإنما تعتمد فى الأساس على حروب المعلومات ونشر الشائعات، إضافةً إلى استخدام الجماعات المأجورة مثل «داعش»، و«أنصار بيت المقدس» لتنفيذ عمليات نوعية على الأرض، وبدأ الإعلام المصرى تداول هذا المصطلح خلال الأعوام الأخيرة للدلالة على وجود مؤامرة من نوع ما لإفشال الدولة المصرية.
وقد جاء الاستخدام الأول لمصطلح حروب الجيل الرابع Fourth Generation of War بين مفكرى التخطيط والاستراتيجية بالولايات المتحدة فى أواخر الثمانينيات، كسبيل لتثقيف الديناميات والاتجاهات المستقبلية للحرب، وقد جاء مفهوم حروب الجيل الرابع فى إطار الجدل الذى شهدته هذه الأوساط المعنية بالاستراتيجية والتخطيط بشأن محاولة للتفكير غير التقليدى، ومن هنا جاء تعريف حروب الجيل الرابع بأنها «ذلك الصراع الذى يتميز بعدم المركزية بين أسس أو عناصر الدول المتحاربة من قبل دول أخرى».
ويرى ماكس مايوراينج بأن حروب الجيل الرابع أو الحرب بالإكراه، إنما تعنى إفشال الدولة، وزعزعة استقرارها ثم فرض واقع جديد يراعى المصالح الأمريكية بواسطة منظمات المجتمع المدنى، وشبكات التواصل الاجتماعى، وتوجيه الإعلام الخاص، وتمويل المواقع الإلكترونية، بالإضافة إلى ذلك وجود آليات أساسية أخرى جديدة لهذه الحرب، من أهمها: دعم الإرهاب، خلق قاعدة إرهابية غير وطنية أو متعددة الجنسيات، حرب نفسية متطورة للغاية من خلال الإعلام والتلاعب النفسى، استخدام كل وسائل الضغوط العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، واستخدام تكتيكات حروب العصابات والتمرد، وذلك من أجل إزالة السلطة القائمة والتأثير فيها، وفى النهاية تؤدى إلى إفشال الدولة، بما يعنيه من تفشى أزمات الدولة القومية، وإهلاك النظام داخليًا وتقويض إرادة الشعب، وبعد فقدان الشعب للثقة فى حكومته بل وفى ثقافته، يؤول الأمر بالدولة إلى الفشل لتظهر أزمات الهوية نتيجة للأصول الثقافية والطائفية المختلفة، وأزمة الاختراق نتيجة لضعف النفوذ السياسى للدولة داخليًا، لينهار النظام من داخله، وقد يصعد نظام جديد، وسواء أكان حليفًا أم غير ذلك؛ فإن التحكم فيه سوف يكون كليًا وبكُلفة بسيطة.
ولم تكن مصر استثناءً من موجة الجيل الرابع من الحروب التى عمت منطقة الشرق الأوسط فى السنوات الأخيرة، خاصة أن الظروف فى مصر بعد ثورة يناير وما تبعها من تدهور اقتصادى جعل البيئة مواتية لنمو هذه النوعية من الحروب، وهو ما يتواكب مع الاتجاه العالمى لصياغة نظام عالمى يتوافق مع المنظومة الغربية. وبالنظر إلى ما شهدته مصر عبر السنوات الأخيرة، تتبين لنا ملامح تلك الحرب فى الموجات الإرهابية المتلاحقة، ومحاولات ضرب البنية التحية ومحاربة كل الجهود والخطط التنموية وتشويهها، وسيل الشائعات الذى لا ينتهى، ولعل آخرها الشائعات التى أحاطت بالفريق أحمد شفيق سواء فى الإمارات أو مصر، والشائعات التى تناولت سفر اللواء حبيب العادلى إلى السعودية للعمل مستشارًا لولى العهد السعودى، واستخدام آليات الحرب النفسية، وتعرض مصر للعديد من الضغوط السياسية والاقتصادية، وتوظيف الغرب لبعض منظمات المجتمع المدنى وبعض الناشطين ودعاة الحرية والديمقراطية لأغراض خفية.
وفى حروب الجيل الرابع؛ فإن الإعلام يُستخدم لتقويض إرادة الخصم، وربما يكون مستهدفًا لدى صانعى القرار أو الجماهير لدى الدولة الخصم؛ حيث إن الهدف هو استهداف عقل الخصم، فتصبح المعلومات مهمة بشكل طبيعى، فالإعلام ليس بعيدًا عن دائرة حروب الجيل الرابع، بل تعتبر وسائل الإعلام إحدى أدواته، بل إنها تمثل الأداة الأكثر تأثيرًا فى هذه النوعية من الحروب، خاصة وسائل الإعلام التى تعتمد على شبكة الإنترنت، كمواقع التواصل الاجتماعى، التى تستغل فى الحصول على المعلومات بسرعة ودقة ومرونة، والعودة للاستخبار البشرى؛ حيث ازدادت القيمة الاستراتيجية للعامل البشرى فى جمع المعلومات داخل المجتمعات المستهدفة.