تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
كنت أحب لعبة صندوق الدنيا فى الموالد، ذلك الصندوق الخشبى الذى تنظر فيه بعينك فيتحرك شريط صور أمامك تدقق وتدقق.. تبحث عن فكرة.. عن امرأة.. عن حلم.. عن ضحكة.. تعاود تكرار المشاهدة مرة وراء مرة فلا الصور تغيرت ولا أنت وجدت ضالتك ولا تدرى أيكما يخدع الآخر أنت أم صاحب الصندوق؟.. بعد مرور العمر وحينما تجد ضالتك فى الصندوق الأكبر تدرك أن ما هداك إليها سوى صندوق المولد الصغير.
لم تكن صورة المعلم «عواجة» هى الأولى فى الشريط لكنها استوقفتني، وضعت «قالبين من الطوب» حتى مسكت بشباك الضريح وبالكاد نظرت من الشباك الصغير، مجموعة من النساء يقفن أمام.. رجل بعمامة خضراء.. تقبل إحداهن يده.. وتلعقها الأخرى، وتمد ثالثة له ابنها فيتفل فى وجهه فتمسح بيديها رأس الغلام ووجهه مستبركة، ورابعة ينثر على رأسها التراب.. وخامسة يعطيها حجابا.. لم يكن المعلم عواجة يعرف شيئا عن كل السنين التى سبقت جلسة ذلك الرجل، من أين أتى ومن أعطاه الحكمة أن وجدت.. ممن استمد فكره وقوته لا يعرف.. فقط هو شيخه وابن شيخه الذى رأى منه من المعجزات ما يجعله رهن إصبعه، يجعله يقطع «الكيلوهات» مع حماره حتى يستقبل عمنا الشيخ، الذى يعود راكبا الحمار والمعلم عواجة ساحبا إياه ويدخل القرية منتشيا وكأنه جاء بعزير وحماره.
مسك بكلتى يدى فى حديد شباك الضريح، وأخذت أتجول بعينى داخله، حتى وقع نظرى على «عمنا الشيخ»، وهو يجلس متكئا بظهره على الضريح ومن أمامه المعلم عواجة ينظم الناس، الذين يتدافعون لتقبيل يد «الشيخ»، إحدى النساء تتقدم بطفلها، تميل على أذن المعلم «عواجة»، فيشير لعمنا الشيخ بسبابته على عين الطفل، ثم يمسك برأسه ويقدمها له، فيبصق الشيخ فيها، تبتهج الأم وتأخذ طفلها وتنصرف، ثم تتقدم أخرى وفى قدمها جرح، يقبض الشيخ على حفنة من تراب بجوار الضريح يضعها فى جرحها، فتنتشى وتنصرف، رجل ثالث يخبر المعلم «عواجة» أنا ابنه يتكلم بصعوبة حتى يكاد لا يفتح فمه، يستدير المعلم «عواجة»، ويحضر «إبرة» يعطيها لعمنا الشيخ، فيبلها بريقه ويمسك الطفل ويغرس الإبرة فى خده الأيمن، يصرخ الطفل.. يكبر «عواجة» والحضور. تعبت من «الشعلقة» على شباك الضريح، فصحت: «خلصوا بقى إيه النمرة الجديدة»، لم يكن استهزاء مني، بل كان راسخا فى اعتقادى أن هذه الأمور ليست حقيقية ولكنها تحدث من قبيل التسلية، كتلك التى كنا نشاهدها فى الموالد، كرصاصتين صوبتا نحوى، كانت عيناى المعلم «عواجة»، التصقت يداى بحديد «شباك الضريح»، وارتعدت فرائسي، لم أدر سوى والمعلم «عواجة» يمسكنى من «قفايا» ويقذفنى فى الجو لأسقط على الأرض سقطة مدوية، أزحف إلى الخلف وهو يتقدم عليّ، أنظر حولى لعل أحد ينقذني، فإذا بى أرى على مقربة منى رجلا كبيرا من أقاربنا، صوتى لا يسعفني.. أشير إليه فى استنجاد.. ينظر إلىّ ولا ينبس ببنت شفة.
للحديث بقية