إن التعددية في المذاهب والآراء ووجهات النظر والذوق هي من أهم معالم "الإنسانية"، ومن أهم منابع الإبداع والابتكار والتجديد والتجويد، فإذا كانت "الديمقراطية" هي أعظم إنجازات الجنس البشري منذ بداية مسيرة تمدنه وحتى هذه اللحظة فإن "التعددية" هي أحد منابع الديمقراطية، ومن الطبيعي أن تقوم النظم السياسية على أساس احتواء واحترام التوجهات المختلفة مع عدم السماح لأي منها من استئصال حق الآخرين في الاختلاف ورؤية الأمور بشكل مختلف.
ورغم ذلك فإن الإيمان بالتعددية في حياتنا المعاصرة يثبت أننا لا نزال في مرحلة بدائية للغاية من تمثل قيمة الإيمان بمعنى ومزايا التعددية، وينطبق ذلك على أكثر المجتمعات تقدمًا كما ينطبق على كثير من الدول الأقل تقدمًا، فلا يزال هناك زخم من نقص الفهم وسوء الظن المتبادل بين الحضارات المختلفة يجعل فوائد وعوائد التعددية أقل بكثير من أن يمكن أن تكون، ويؤدي إلى محاولة البعض "تنميط العالم" وهو هدف مستحيل من جهة ويعارض التعددية من جهة أخرى ويبذر بذور الصراع والصدام اللذين يمكن للإنسانية أن تعيش وتنمو وتزدهر بشكل أفضل بدونهما.
وإذا كان البعض، اليوم، في الغرب يميل إلى أن العلاقة بين الحضارات ستكون في المستقبل صراعًا وصدامًا بين الحضارة الغربية والإسلام، فإن هذا الاتجاه يدل على فقر معرفي مذهل، ولم تتوفر لدى أصحاب ذلك الاتجاه معلومة أن الحوار ممكن إذا بُذلت الجهود الفكرية والثقافية لتدعيمه.
نعيش في عالم يرفع شعارات مثل "الديمقراطية" و"حقوق الإنسان" و"الحريات العامة" و"التعددية" ينبغي عليه أن يدرك أن نبل هذه القيم لا ينفي أن تعامل الإنسان معها على أرض الواقع لا يزال في مرحلة أُولى وهو ما يجعل الممارسات العملية تتسم أحيانًا بنقيض تلك القيم، إذ ترفع الحضارة الغربية لواء قيمة التعددية بيد ويرفع بعض أبنائها لواء تنميط العالم بيد أخرى، وهي حالة ارتباك تعكس كون البشرية في مرحلة أولى من مراحل نمو بعض هذه القيم.
فالتعدديةُ إذا كانت تعني أن تعدد المشارب والمذاهب والثقافات والأذواق والآراء وأساليب الحياة هي معلم أساسي من معالم الحياة البشرية على الأرض بل ومن مصادر ثراء هذه الحياة فإن النتيجة يجب أن تكون (الخلاف في ظل الوحدة) والخلاف هنا ينطبق على ما ذكرته من مشارب ومذاهب وتوجهات، أما الوحدة فتعني مقومًا من مقومات الإنسانية.