تتناسخ الأحداث، بحيث يُنسى أحدها الآخَر، فالأمر كما قال شكسبير: إنّ المصائب لا تأتى فرادى! حدث اليمن حدث فاجع، لأنه هو الرئيس العربى الثالث الذى تقتله الميليشيات الإيرانية: الحريرى وصدام وعلى صالح، ويرادُ من هذا التوحش فى القتل إعطاء درس لكل من تُسوِّلُ له نفسه مخالفة إيران، فحلفاؤها مثل بشار الأسد أو المالكى أو عون يرتفعون على سُدّة الكراسى، أما الآخرون فيموتون إذا كانوا مهمين، أو يشردون إذا كانوا قليلى الأهمية، وما اكتفى «الحوثيون» بقتل صالح وأقاربه وقادة حزبه، بل قتلوا أيضًا جمهورًا من حزب «المؤتمر» زاد على الألف، وهذا التوحش كما سبق القول هدفه صرف الناس عن مقاومة الغزو «الحوثي»، والتسليم للزعامة الإمامية الجديدة، فالذى نعرفه عن هؤلاء أنهم لن يصبروا على صيغة السلطة، كما لم يصبر الخمينى، ولذلك فالأرجح أن يصبح عبد الملك الحوثى وليًا فقيهًا، وألا يتولى السلطة بنفسه لكن هناك من يقول بل إنه يريد أن يصبح إمامًا شأن جدوده البعيدين. الخمينى، وبحكم التطور الإيرانى الداخلى خلال القرن، ما استطاع إلا التسليم بهذه الصيغة المعقدة أو المركبة لجمهورية إيران الإسلامية، والأمر ليس كذلك فى اليمن، خاصة بعد دخول العقائد الإمامية العصموية على الزيدية.
فى الحروب القبلية، يحرص المتخاصمون على ألا يقتلوا القيادات حتى فى حالة النصر والأسر؛ لأنهم يحسبون للثأر حسابًا ولأجيال، وعندما تحصل المصالحة يؤدون الديات لبعضهم عن الذين قُتلوا من العامة القبلية، أما «الحوثيون»، فهم عقائديون مثل «داعش» و«القاعدة» و«حزب الله» و«بوكو حرام»، وهؤلاء عندهم القتل العقائدى والقتل الشعائرى، فـ«الحوثي» عنده ثارات آل البيت وهى كثيرة، وإن يكن على عبدالله صالح زيديًا مثله، وما قتل من آل البيت إلا أخاه حسين، وهذه جريمة هائلة، ولذلك احتفى أنصار الحوثى فى اليوم التالى بمقتل صالح وأولاده، وذكروا الانتقام لحسين، ولم يغفر لهم عنده أنه أسلم إليهم عَمران وصنعاء وذمار وتعز.. بل وأبلغهم عدن ثم إنه سمح لهم بأخذ السلاح الثقيل قبل الخفيف من مخازن الجيش وقواعده، ولكل ذلك سياقٌ بالطبع، ويحتاج الأمر لتفصيلٍ كبير، لكن العبرة والمعنى فيما قاله الأمين العام المساعد لـ«لحزب الله» من طهران فى اليوم الثالث للمذبحة: (هناك محورٌ تقوده إيران، وقد طهرنا العراق وسوريا ولبنان وفلسطين من منتهكى مزارات آل البيت، ومن التكفيريين)، هى الطائفية الكريهة عارية، إذ لا ندرى من يقصد بالتفكيريين فى لبنان وفلسطين، وهذا إذا سلمنا بأن «الدواعش» و«القاعديين» تكفيريون بمعنى أنهم يكفرون الشيعة! والذى نعرفه نحن اللبنانيين أن معظم من قتلهم «حزب الله» فى سوريا هم من القرويين الفقراء الذين سيطروا بالسلاح الخفيف على قُراهُم عندما انحسرت سلطة الأسد، أما «داعش» و«النصرة» فقاتلهم الطيران الأمريكى والروسى، وجاءت الميليشيات من «حزب الله» والفاطميين والزينبيين والأسديين فقتلت وهجَّرت بل وصنعت مستوطنات طائفية!
ما الجامعُ بين فعلة ترامب وفعلة الحوثيين؟ إنه الانتهاك الفظيع للحقوق العربية دولًا ومجتمعات على أيدى كل من هبَّ ودبّ، فالأمريكيون فى سوريا استخدموا الأكراد، والروس استخدموا الإيرانيين. والآن يقول القائد الكردى إنهم فى الرقة ما قتلوا «الدواعش»، بل اتفق معهم الأمريكيون على الخروج بالباصات والشاحنات والسيارات، وأنهم كانوا أربعة آلاف! إلى أين ذهب هؤلاء؟ أردوغان المشارك الآخر فى الحرب السورية زعم أن الأمريكيين هم الذين أرسلوا الإرهابيين إلى سيناء!
الأرض كلها عربية، ومن القدس وفلسطين وإلى سوريا والعراق ولبنان واليمن، وعليها الأمريكيون والإسرائيليون والإيرانيون والأكراد والأتراك والروس يسرحون ويمرحون، بل هناك ميليشيات أفغانية وعراقية فى سوريا، وميليشيات كردية من حزب «العمال» أتت من تركيا لمساعدة أكراد سوريا، أو استأجرها الأمريكيون لهذا الغرض. وكما قطع الأمريكيون السلاح عن كردستان فكادت أربيل تسقط خلال ساعات؛ فإن الأمريكيين يقولون الآن إن القتال انتهى ضد داعش، فلا حاجة للأكراد السوريين للسلاح، بل ربما يأخذون منهم السلاح الثقيل. وعلى ذلك أجاب أحد قادتهم ضاحكًا: لسنا محتاجين لسلاحكم بعد الآن، لأننا على تواصُلٍ مع الروس أيضًا، وسيعطوننا ما نحتاجه، ونحن ذاهبون معهم ولعندهم فى سوتشى فى المؤتمر العتيد! لكن الأمريكيين لم ينزعجوا بل أجابوا: لقد تعاونا معكم (استخدمناكم) طوال عامين لمقاتلة «داعش» ومات منكم الآلاف، ونحن ما مات منا إلا خمسة جنود! وقد اتفقنا مع الروس، وأنتم دبروا رأسكم معهم أيضًا!
نقلا عن الاتحاد الإماراتى