قالت لى جدتى إما أن تذهب إلى «الكتاب» كما وعدتنى، وإما أن أحضر لك عمك «الطوخى» بـ«السكوتى».. قلت لها «السكوتى» لأ.. لأ.. هاتى «اللوح والجزء».
أخذت «اللوح والجزء»، وخرجت من باب المنزل لأذهب لـ«الكتاب»، على يمين بيتنا كانت تقبع خالتى «نعيمة» وأمامها «طاسة الزيت» تلقى فيها قطعا من العجين، فتخرج المنتج المصرى الشهير الذى نتكالب عليه لا أعرف فقرا أم استئناسا، فلست أدرى الحكمة من اشتهائنا عجينا معذبا فى زيت مقدوح، اندسست بين الأقدام.. فرغم رفضى تلك العجينة فإن رائحتها كانت تجذبنى كغيرى.
كان عم محمد «الأقرع» ينادى على خالتى «نعيمة» هاتى بقرش «طعمية» ورغيفين عيش معفن.. معفن!.. ضحكت ووضعت يدى على فمى حتى لا ينفضح أمرى، ويظن الرجل أنى أسخر منه.. ثم كرر الطلب.. ففلتت ضحكاتى رغما عنى.. نظر إلى باستهجان.. وقال لى: «بتضحك على إيه يا قليل الأدب»؟ حاولت التماسك وقلت له: «يا عم محمد أبدا مش عليك والله.. بس حكاية العيش المعفن دى سمعتها غلط»، رد على فى تحد: «لا مش غلط يا فالح.. العيب على أبوك وأمك اللى ما قالوش لك.. إيه ما سمعتش قبل كده.. أبوك مكلش عيش معفن.. محدش عندكم كل عيش معفن؟»، شعرت بالذنب تجاه الرجل وجاء إلى ذهنى أنه ربما لم يكن مع «عم محمد» غير «قرش الطعمية».
هرعت إلى خالتى «نعيمة»، ودفعت لها ثمن رغيفين وأخذتهما ومددت بهما يدى إلى الرجل، الذى احمر وجهه وغضب، وقال لى فى تجهم: «هو أنا شحات يا بن الـ…. يا غبى يا بن الـ.. العيش المعفن ده بيطول الشعر.. ده وصفة عمك الطوخى، وجابت نتيجة مع ناااس كتير..»، مسح «عم محمد» ببطن يده على قرعته وهو يتكلم عن فوائد العيش المعفن، وأنه أحس بنتيجة بعدما داوم على تناوله لأكثر من شهر، تركت الرجل وأنا مندهش، غير أن ما عرفته بعد ذلك أن هذا وغيره كان من أساليب ترويج الفقر الذى وإن اختلفت أشكاله إلا أن المنهج باق.. وعم الطوخى هو الآخر باق.. باق.. باق.
للحديث بقية