فى حوار على قناة «إم إس إن بى سى» مؤخرًا، وصفتُ السياسة الأمريكية فى الوقت الراهن بأنها «مرض يدمر العقل». وأطلقت ذلك الوصف بسبب التغريدات والتصرفات الغاضبة التى لا تتوقف، والسلوكيات غير الملائمة، التى تجبرك كمعلق سياسى على خيارين أحلاهما مر: فإما أن تتجاهل جلّ ذلك، وتجازف بالتكيف مع التجاوزات، أو تكتب عنها بصورة مستمرة، وتجازف أيضًا بأن يضيع وقتك فلا تستطيع التعلم أو كتابة تقارير عن الاتجاهات الكبرى التى تشكل العالم فى الوقت الراهن، والتى ستذهل القراء، وتجعلهم يتساءلون: «لماذا غاب عن أذهاننا كل هذا؟».
ولكى أحصّن نفسى من «مرض» السياسة الأمريكية؛ فإننى من حين إلى آخر أسافر إلى أبعد مكان ممكن. وفى هذه المرة سافرت إلى الهند؛ حيث تعلمت أمورًا كثيرة كنت أجهلها، وتوصلت إلى أن الهند تحاول الخروج قفزًا من براثن الفقر، واللحاق بالصين، من خلال الانخراط فى عملية رقمنة سريعة لاقتصادها بأسره، وشبكات طاقتها.
وقد أدهشنى أحد التغييرات الكبيرة فى الهند، ففى عام ٢٠٠٩، قاد صديقى «ناندان نيلكانى»، رائد الأعمال فى قطاع التكنولوجيا، فريقًا من الخبراء، ساعد الحكومة التى كان يقودها آنذاك حزب «المؤتمر» على إطلاق نظام هوية رقمية وطنية، تعرف بـ«آدار» وتعنى «قاعدة بيانات».
فقد تم جمع قاعدة بيانات بيومترية تشمل بصمات الأصابع وقزحية العين لكل هندى، غنيًا كان أو فقيرًا، من خلال الذهاب إلى مكتب ميدانى، وتم ربط تلك البيانات برقم هوية مكون من ١٢ رقمًا لكل فرد، وتشمل البيانات الأساسية مثل: الاسم والعنوان وتاريخ الميلاد والنوع. وعندما ترك حزب «المؤتمر» السلطة فى عام ٢٠١٤، وتولى حزب «بهاراتيا جاناتا» بقيادة «ناريندرا مودى»، واصل «مودى» مشروع «آدار»، ليصل عدد مستخدميه فى الوقت الراهن إلى ١.١٨ مليار مستخدم، من إجمالى عدد السكان البالغ ١.٣ مليار شخص.
وفى دولة، كان كثير من سكانها يفتقرون إلى أى شكل من أشكال مستندات الهوية، مثل شهادة الميلاد أو رخصة القيادة؛ فإن ذلك المشروع كان بمثابة ثورة، فقد أصبح الآن بمقدورهم فتح حساب بنكى، والحصول على مساعدات حكومية تُرسل مباشرة إليهم، بدلًا من إرسالها عبر موظفين حكوميين ومصرفيين أو عمال بريد ينتزعون منها ٣٠ فى المئة سنويًا، ومن ثم يربطون حساباتهم المصرفية بهواتفهم المتحركة، ليتمكنوا من خلالها من الشراء والبيع وتحويل الأموال واستلام الدفعات، بصورة رقمية، من أى مكان وفى أى وقت.
ومنصات الشبكات الرقمية التى تجاوزت حاجز المليار مستخدم، مثل «فيسبوك» و«جوجل» و«واتس آب»، جاءت جميعها من القطاع الخاص. وأما «آدار» فهى «المنصة الوحيدة غير الأمريكية التى تتخطى عتبة المليار مستخدم، والنظام الفريد من نوعه الذى طوره القطاع الحكومى»، حسبما أفادت دورية «هارفارد بيزنس ريفيو». وقد تميزت هذه المنصة أيضًا بأنها وصلت إلى مليار مستخدم فى أسرع وقت.
وقد أضحى الآن بمقدور أى مزارع هندى الذهاب فقط إلى واحد من بين ٢٥٠ ألف مركز مجتمعى حكومى؛ حيث يوجد جهاز كمبيوتر وخدمة «واى فاى» ورائد أعمال محلى يدير المركز، للولوج إلى موقع الخدمات الرقمية الحكومية من خلال هوية المزارع، ومن ثم الطباعة الفورية لشهادة ميلاد أو سجلات الأراضى اللازمة من أجل الصفقات.
وقد أسس «نيلكانى» وزوجته «روهينى»، مؤسسة أطلقا عليها اسم «إكستيب»، لابتكار تطبيقات تعليمية للهواتف المتحركة، بهدف مساعدة الآباء والمعلمين والطلاب، عبر هواتفهم، لتسهيل التعلم بطريقة أسرع، واستخدام تلك الشبكات الرقمية الجديدة. ومثلما أوضح «شانكار مارووادا»، المؤسس المشارك لـ«إكستيب» ورئيسها التنفيذى، فعلى النقيض من شبكات مثل «فيسبوك»، التى يرتكز نموذج عملها على «جذب انتباهك»، فإن «منصات مجتمعية» مثل «إكستيب» و«آدار»، تهدف إلى «الحفاظ على المصلحة»، لاسيما مصلحة الفقراء. وقد بنت شركة «جرينكو» أكبر مشروع للطاقة الشمسية فى العالم، على مساحة ٣٠٠٠ فدان، بألواح شمسية ذات صناعة صينية، تولد ٨٠٠ ميجاوات، ومن ثم توفّر الطاقة لأكثر من ٦٠٠ ألف منزل فى ولاية «أندرا براديش».
الترجمة نقلا عن «الاتحاد» الإماراتية