• رغم أنني لم أكن من مؤيدي المرشحة الديمقراطية العتيدة والخبيرة في الشئون الدولية هيلاري كلينتون لاعتبارات عديدة تركزت معظمها حول موقف الإدارة الديمقراطية من تنظيم الإخوان الدولي واعتماد الديمقراطيين سياسة (التقارب مع الإرهابيين) تأمينًا للمصالح الأمريكية وعلى رأسها أمن أمريكا وأمن إسرائيل، إلا أنني أيضًا لم أكن يومًا من المرحبين بفوز المرشح الجمهوري ثم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حيث لم تعرف أمريكا على مدار تاريخها رئيسًا بهذه الخفة والعشوائية والرعونة والفوضوية وعدم الخبرة مثلما عرفت في هذا الرئيس والذي جاء بإدارة هشة من معارفه وأصدقائه تشبهه إلى حد كبير، رئيس متصادم مع الأجهزة والمؤسسات الأمريكية ومتصادم مع حزبه ويخضع لتحقيقات من قبل أجهزة أمنية عديدة منذ إعلان فوزه بخصوص خروقات وشبهات شابت حملته الانتخابية!
• وعلى خلاف ترحيبات عقابية وتهليلات رثة وخفيفة وغير مبررة وغير عقلانية إعلامية وحزبية وشعبية على مستويات عدة بالمرشح ثم الرئيس دونالد ترامب، حيث هى الأخرى جاءت تجسد نفس خفة المرشح الأرعن، كنت أنا رافضًا للرجل ولم أرَ فيه أي سبب جوهري يدعو لأن نسعد بنجاحه ونهلل لنتيجة الانتخابات الأمريكية بخلاف رسوب مرشحة الحزب الديمقراطي القريبة من تنظيم الإخوان الدولي!
• فالرجل منفلت ومتناقض وأرعن، وفي قراره الأخير بخصوص القدس تحدى الرجل المجتمع الدولي كله والأسرة الدولية عن بكرة أبيها حتى حلفائه الأوروبيين والعرب، وضرب بالقرارات الدولية كلها عرض الحائط كما لم يلتفت لكل الآراء والنصائح التي أسداها له معظم قادة المنطقة والعالم وكان يسهل على الرجل أن يوقع بالتأجيل على قرار الكونجرس الذي أقره في العام ٩٥ والذي ينص على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس واعتبار القدس عاصمة لدولة إسرائيل، حيث ينص القرار ويحمل في طياته إمكانية تأجيلة مرات ومرات وفقًا لاعتبارات الأمن القومي الأمريكي، وقد وقَّع رؤساء سابقون على تأجيل القرار منذ صدوره إلا أن الرجل قرر ألا يسير في طريق التأجيل منحازا لإسرائل بشكل سافر وغير مسبوق ومخالفا لكل حلفائه ومضحيا بكل علاقته العربية والإسلامية وهذا عجيب ولافت للنظر وغير مبرر وغير مفهموم، فقد سبقه العديد من رؤساء أمريكا في تقديم ذلك الوعد لإسرائيل ثم تراجعوا عنه، وحتى المنظمة اليهودية العتيدة (إيباك) نصحته بالتأجيل والتروي، فالقرار يقلب العالم على إسرائيل في وقت ترتاح فيه إسرائيل وتنأى بنفسها عن صراع العرب أو محاولة تدميرهم فهم يقومون بالمهمة نيابة عنها، كما أن الصراع الإيراني السعودي على أشده في كل العواصم العربية يشعل نار الطائفية ويعود بالمنطقة إلى سابق تاريخها من الاقتتال والذبح على الطائفة والمذهب كما أن القرار يعود بالتطرف الديني إلى صدارة المشهد ويعطي البعض الفرصة للمزايدة الدينية ويعود بإسرائيل إلى صدارة المشهد وصدارة العداء!
• ومنذ أن رفضت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم ٣٠٣ لسنة ١٩٤٩ الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، صدر ٢٧ قرارًا دوليًا خاصًا بمدينة القدس اعتبارًا من العام ١٩٤٧ وحتى العام ٢٠١٦ من مجلس الأمن والجمعية العامة واليونسكو.
• حيث صدر ١٢ قرارًا خاصًا بمدينة القدس من مجلس الأمن وحده بداية من عام ٦٧ حتى ٢٠١٦، كما صدرت ٩ قرارات خاصة بالقدس من الجمعية العامة للأمم المتحدة بداية من العام ٤٧ حتى ٢٠١٦، كما صدرت ٦ قرارات دولية حصرًا من هيئة اليونسكو اعتبارًا من عام ١٩٩٦ حتى ٢٠١٦!
• ورغم كل تلك القرارات الدولية الصادرة بشأن مدينة القدس ورغم معرفة الإدارة الأمريكية أن القدس صارت قدسين (غربية وشرقية) وأن القدس الشرقية التي تحتوي كل المقدسات الإسلامية والمسيحية واليهودية هي أراض عربية تم احتلالها في العام ٦٧ مثلها مثل الضفة الغربية لنهر الأردن، والتي كانت تحت الإدارة الأردنية وقطاع غزة الذي كان خاضعا للإدارة المصرية، وهي ليست ضمن أرض إسرائيل التي اعترف بها العالم في العام ٤٩، حيث يجسد المشهد الحالي انتقال أمريكا من عصور غطرسة القوة إلى عصر الخفة والرعونة والانفلات والاستخفاف والاستهتار غير المسبوق والذي يهز صورة أمريكا بقوة أمام الأسرة الدولية قبل أن تصادر أرضًا عربية محتلة وفقًا لكل قرارات الأسرة الدولية.