الحكمة التى تمنحها الصحراء وحياة البداوة لأبنائها جعلت شيوخ قبائل شمال سيناء السباقين لإدراك مقصد الرئيس عبدالفتاح السيسى بعبارة «القوة الغاشمة»، التى استخدمها لأول مرة فى كلمته عقب تفجير مسجد «الروضة» ببئر العبد.
حيث سارع الشيوخ والعارفون بمقاصد الكلمات إلى عقد مؤتمر فى اليوم التالى بالإسماعيلية تحت راية «اتحاد قبائل شمال سيناء»، ليصدروا بيانًا عبّر بشكل غير مباشر عن وعيهم بما رمى إليه الرئيس، حيث أكدوا دعمهم للحرب التى يشنها الجيش والشرطة على فلول الإرهاب، بل وناشدوا الرئيس ووزير الدفاع والإنتاج الحربى الفريق صدقى صبحى بأن يكونوا شركاء فى تلك الحرب الضروس، ودعوا شباب القبائل للاجتماع من أجل بحث سبل المشاركة. أغلب المحللين اعتقدوا أن الرئيس ربما أخطأ فى اختيار المصطلح المناسب للتعبير عن حجم القوة التى ستستخدم فى عمليات ملاحقة العناصر الإرهابية، بسبب ما اعتراه من غضب، وربما أيد اعتقادهم بيان الرئاسة الذى قال إن الرئيس قصد بالقوة الغاشمة القوة الشريفة.
لكن الرئيس يعيد استخدام العبارة ذاتها، بينما يعلن عن تكليفه لرئيس أركان القوات المسلحة الفريق محمد فريد حجازى ووزير الداخلية اللواء مجدى عبدالغفار بالقضاء على الإرهاب خلال ثلاثة أشهر، أثناء الاحتفال بالمولد النبوي، ليؤكد أنه قصد ما قاله، وهنا يتأكد ما فهمه الشرفاء من شيوخ القبائل، فبوضوح قصد الرئيس توجيه رسالة تهديد لمن ارتضوا أن تكون أراضيهم مئوى للإرهابيين ومخازن لأسلحتهم، وتبادلوا معهم المصالح بدءا من تهريب السلاح والمخدرات وصولا إلى تقديم الخدمات اللوجستية فى عمليات الهجوم على عناصر الجيش والشرطة. أغلب الظن أن أولئك الجناة من بعض العناصر البدوية الذين احترفوا جرائم التهريب والسطو والسلب والنهب، حتى ضد أبناء عمومتهم من بدو سيناء، هم المعنيون باستخدام القوة الغاشمة ضدهم، لذلك صارع اتحاد قبائل شمال سيناء لعقد مؤتمر الإسماعيلية ليكون مفرزة تميز بين الوطنيين، وبين الذين باعوا ضمائرهم من عملاء الموساد لتقديم مختلف أشكال الدعم للعناصر الإرهابية.
بعبارة أخرى، القوة الغاشمة ستوجه ضد مخطط إسرائيل لإجبار الدولة المصرية على القبول بتوطين سكان قطاع غزة فى أجزاء من شمال سيناء، مقابل حصول مصر على أراضٍ بديلة فى صحراء النقب الواقعة داخل حدود الدولة العبرية.
تفجير مسجد بئر العبد رسالة إسرائيلية إلى مصر مفادها سنشعل سيناء وسنجعل أرضها محرقة لا تنطفئ، ربما تعبر قناة السويس لتصل إلى محافظات الوادى، وما يؤكد هذه الرؤية تصريح وزيرة المرأة الإسرائيلية السخيف بعد يومين فقط من مجزرة الروضة، الذى طالبت فيه بتوطين فلسطينى قطاع غزة فى شمال سيناء، لتعقبها الـ«بى بى سي» بتقريرها الكاذب بشأن موافقة حسنى مبارك على مشروع التوطين، وهو ما نفاه الرئيس الأسبق.
بذاءة الوزيرة الإسرائيلية وتراهة الـ«بى بى سي» لم يأتيا إثر جريمة بئر العبد مصادفة، وإنما إشارة من حكومة تل أبيب إلى أنها من خطّط ووجه إلى استهداف المصلين الآمنين، وأنها ستمضى فى استنزاف الدولة المصرية حتى يتحقق لها ما تعهدت بتنفيذه جماعة الإخوان الإرهابية؛ فمن المعروف أن عناصر من الجماعة التقت عناصر من الموساد وشخصيات سياسية إسرائيلية فى عواصم أوروبية خلال عام ٢٠١٠، بعد وصول محمد البرادعى إلى مصر، وجرى خلال تلك الاجتماعات الاتفاق بين الجانبين على أن يقبل الإخوان بمشروع توطين الفلسطينيين فى شمال سيناء، مقابل دعم الإدارة الأمريكية لوصولهم إلى عرش مصر، وكان يجرى حينها التخطيط لما سمى بـ «ثورات الربيع العربي». الأدلة على التحالف بين الإخوان والصهاينة واضحة كالشمس، فقد منح الجاسوس مرسى نحو ٥٠ ألفًا من الفلسطينيين الجنسية المصرية، ووطّن العناصر الإرهابية فى سيناء، وأقر محمد البلتاجى بانتماء تلك العناصر للجماعة، بقوله: «ينتهى الإرهاب فى سيناء بعودة مرسى إلى قصر الاتحادية»، كذلك فتح أردوغان تركيا الإخوانى، الحدود للدواعش ليعبروا إلى سوريا، وفتحت إسرائيل مستشفياتها بالجولان المحتلة لمصابيهم، ناهيك عن الأسلحة والمؤن التى أنزلتها الطائرات الأمريكية على معسكرات الدواعش بسوريا والعراق.
ببساطة القوة الغاشمة ضد كل من يدعم لوجستيًا التحالف الإخوانى الصهيونى فى إدارته للعمليات الإرهابية داخل سيناء.