الأحد 29 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

ثقافة النصر والهزيمة ما بين بايرن ميونيخ والأهلي

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كيف كان النصر من نصيب الكرة الألمانية في هذا العام الذي يوشك على الرحيل فيما كانت الهزيمة من نصيب كرة القدم المصرية سواء على مستوى المنتخب الوطني الذي اخفق في تحقيق امال الجماهير بالصعود بعد طول غياب يتجاوز العقدين لبطولة كأس العالم أو على مستوى فريق النادي الأهلي أعرق أندية مصر الذي اخفق بصورة محزنة في بطولة كأس العالم للأندية؟!.
ثمة حاجة لقراءة أعمق في ثقافة النصر وثقافة الهزيمة ولو عبر المستطيل الأخضر وعالم الساحرة المستديرة. ليست القضية مجرد خروج من بطولة العالم او مونديال الأندية ولا القصد اداء رقصة النائحات وترديد البكائيات على ايقاع هزيمة رياضية فالرياضة فوز وخسارة لكن الهزيمة شيء آخر لعل هذا الكتاب الجديد يوضح ابعادها بتقديم النموذج المضاد للهزيمة!.
كتاب "حياة في بركة..يوميات سباح" اصدره رجل في الثمانينيات من العمر وهو الشاعر والكاتب والسباح البريطاني ومتسلق الجبال آل فاريز والكتاب وصفته صحيفة الأوبزرفر البريطانية التي كان يكتب فيها آل فاريز بأنه " مدهش".
فهو ينفذ في جوهره لثقافة الانتصار الرياضة والحياة على وجه العموم "بتحدي الظروف القاسية وقهر المعوقات بدلا من الاستسلام لها" كما تعبر عنها جسارة قفزة لسباح في مياه الشتاء القاسية. إنه النموذج المضاد للهزيمة وهو بمعنى من المعاني جوهر اي لعبة رياضية.
الفاريز الكاتب والشاعر والسباح ومتسلق الجبال رجل عنوانه الاصرار وشعاره استلهمه من مقولة الثائر المكسيكي بانشو فيلا:"لاتجعلني اموت هكذا ويلفني النسيان..أخبرهم أنني قلت وفعلت كل شيء بمهارة وجسارة"..فهل كان ذلك مافعله اللاعبون المصريون هذا العام أم أن هذه الثقافة غابت؟!.
ثقافة مضادة "للانهيار" الذي إن اعتبره ناقد رياضي وكاتب مثل حسن المستكاوي ظاهرة عربية في الرياضة او "هو مرض تعاني منه الشخصية الرياضية المصرية" فقد يعتبره البعض ظاهرة عربية تتجاوز مجال الرياضة.
هاهو فريق بايرن ميونيخ الألماني الذي يوصف الأن بأنه "افضل فريق يلعب كرة قدم في العالم" يتوج بلقب بطل ابطال اندية العالم بعد فوزه على صاحب الأرض فريق الرجاء المغربي بهدفين نظيفين وإذا حق لنا تهنئة فريق الرجاء كأول فريق عربي يحصل على المركز الثاني والميداليات الفضية في اهم بطولة عالمية للأندية فان النفوس تذهب حسرات على حال فريق النادي الأهلي الذي خرج من نهائيات البطولة بخمسة أهداف لفريق مونتيري المكسيكي مقابل هدف واحد.
والحسرة كلها لظاهرة الانهيار لالمجرد خسارة مهما كانت اهمية البطولة وإنما المحزن والمثير للقلق حقا حالة الاستسلام التي تفضي للانهيار كما تجلى الحال في اللقاء الحزين للأهلي مع فريق مونتيري المكسيكي فاذا بثقافة الهزيمة تكاد تتجسد على المستطيل الأخضر الذي استحال في عيون الكثير من مشجعي الفريق المصري لليل غطيس في هذا الارهاق اليائس!.
أما البطولة التي فاز بها هذا الفريق الألماني امس الأول "السبت" على ملعب مدينة مراكش للمرة الأولى في تاريخه فهي حلقة جديدة في سلسلة انتصارته ليضيف كأس مونديال الأندية الى القابه على مستوى القارة الأوروبية كبطل للدوري والكأس ودوري الأبطال وكأس السوبر.
غير أن الأهم في هذا السياق أن انتصار فريق بايرن ميونيخ حلقة جديدة في سلسلة الانتصارات الكروية الألمانية المدوية هذا العام الذي شهد فوزا المانيا مؤزرا على اشهر فريقين في اسبانيا وهما برشلونة وريال مدريد.
والمسألة بقدر ماتعبر عن انقلاب في "عالم الساحرة المستديرة" فانها توميء ايضا لقضايا ثقافية بالدرجة الأولي وتشير لأسلوب في الحياة ونظرة للعالم بقدر ماتلفت لظاهرة "ولع المغلوب بتقليد الغالب" التي تحدث عنها المفكر العربي عبد الرحمن بن خلدون منذ مئات ومئات الأعوام.
فالفوز الكروي الألماني الساحق لفريق بايرن ميونخ الذي بات بطل اندية العالم بعد فوزه على الرجاء المغربي وقبل ذلك بنحو سبعة أشهر على فريق برشلونة برباعية نظيفة وكذلك فوز لفريق بروسيا دورتموند على فريق ريال مدريد بأربعة أهداف مقابل هدف واحد أثار ويثير الكثير من الجدل والنقاش والطروحات التي انتقلت لقضايا الثقافة.
والأمر لم يعد غريبا فقد باتت المنافسات الكروية الاقليمية والعالمية مشحونة بالمعاني والدلالات الهامة على مستوى التحليل الثقافي بينما تتردد الآن تساؤلات جادة عما اذا كانت الانتصارات الكروية الألمانية المدوية تعني ماهو اكثر من انتقال ميزان القوى في الكرة العالمية إلى المانيا وأن ماحدث على المستطيل الأخضر يعبر عن انتصار اسلوب حياة في المقام الأول بقدر مايوميء لثقافة الانتصار.
إنها ثقافة:"نعم انت تستطيع" التي لايؤمن بها الرئيس الأمريكي باراك وحده وإنما هي سمة اصيلة في الشمال المتقدم على وجه العموم فيما تتجلى من حين لأخر في تنويعات ابداعية او اعمال ثقافية ذات طابع فكري.
هذه ثقافة مضادة لثقافة اليأس التى تطرق لها الكاتب والباحث المرموق السيد ياسين عندما تحدث عن "تفاقم سياسات اليأس على مستوى النخب السياسية والجماهير على السواء"، موضحا أن هذه السياسات "تسمم المناخ الاجتماعي في بلد ما حين يمر بأزمة بالغة الحدة".
وإذا كان المفكر العربي عبد الرحمن بن خلدون قد رصد بألمعيته وعقله المتوثب اللاقط ظاهرة ولع المغلوب بتقليد الغالب فالظاهرة التي تحدث عنها ابن خلدون في اواسط القرن الرابع عشر الميلادي مازالت حاضرة بقوة في اوجه الحياة المتعددة ومنها الرياضة بالقرن الواحد والعشرين.
فما يحدث في العالم الآن وبعد الانتصارات المدوية للكرة الألمانية يعبر في أحد أبعاده عن هذا الولع كما انه يعيد للأذهان نظرية التحدي والاستجابة للمؤرخ البريطاني الكبير آرنولد توينبي.
فجوهر كرة القدم او "الساحرة المستديرة" هو الصراع والندية والضغط المستمر على الخصم وهو ماتجلى في المجابهات الكروية الألمانية هذا العام والتي تثير ايضا سؤالا ثقافيا هاما عما اذا كانت كرة القدم مثلها مثل الأمم والحضارات لها دورات تاريخية من الصعود والاضمحلال؟!.
من هنا سنجد اوروبا الآن عينها على الكرة الالمانية وعقلها يستنبط الدروس المناسبة لتحقيق الانتصارات كما يفعل الألمان ولعل ظاهرة ولع المغلوب بتقليد الغالب تتجلى الآن في حرص امم اوروبية عديدة على تقليد الكرة الألمانية واستعارة مواطن القوة فيها كما يفعل مثلا الايطاليون.
وخلافا للماضي القريب عندما كانت الكرة الايطالية لاتأبه بالكرة الألمانية هاهي النظرة الكروية الايطالية تتغير وهاهي تشيد وتهلل للكرة الألمانية باعتبارها النموذج الكروي للصعود للمجد بعد الفوزن الرائع للكرة الألمانية مجسدة في فريقي بايرن ميونخ وبروسيا دورتموند في مباريات دوري الأبطال الأوروبي ثم فوز فريق بايرن ميونيخ في نهاية هذا العام ببطولة اندية العالم على الأرض العربية المغربية.
وفي سياق تناوله لأسلوب الكرة الألمانية يقول الكاتب والناقد الرياضي المرموق حسن المستكاوي إن تكتيك بروسيا دورتموند أمام ريال مدريد لايختلف كثيرا عن تكتيك بايرن ميونخ امام برشلونة ولايختلف ايضا عن اداء وتكتيك منتخب المانيا في كأس العالم الأخير بجنوب افريقيا.
الخطة بسيطة كما يرى المستكاوي:"سرعة وتغيير اتجاهات اللعب مع الضغط على الخصم وهم يفعلون ذلك بمنتهى القوة والتصميم واللياقة" فيما استعاد مقولة دالة وطريفة لجاري لينكر نجم منتخب انجلترا الأسبق في عام 2010:"كرة القدم لعبة بسيطة، 22 رجلا يلاحقون كرة لمدة 90 دقيقة وفي النهاية يفوز الألمان"!.
وبرؤية ثقافية يعلق حسن المستكاوي بقوله:"وهذا صحيح جدا فالعقلية الألمانية متخمة بفكرة تقول:نحن في مواجهة العالم" لافتا لصفتي الاصرار والاعداد في الشخصية الألمانية.
أما النظرة في أوروبا فترى في سياق "ولع المغلوب بتقليد الغالب" ان هناك عناصر كثيرة لنجاح الكرة الألمانية وتلفت الى ان الألمان لديهم استادات حديثة وملاعب مزودة بأسباب الراحة مما اسهم في ان يحظى الدوري الألماني بأعلى نسبة حضور للمشجعين في اوروبا وزيادة العائدات.
كما ان الألمان حتي في الادارة المالية للأنشطة الكروية يتميزون بالنظرة الثاقبة والحرص على توليد العائدات وهكذا فان فريق دورتموند على سبيل المثال نجح في توليد دخل قدره 97 مليون يورو من مجموع مبيعاته السنوية وانشطته التجارية البالغ 189 مليون يورو.
غير أن هناك أيضا أسبابا كروية لانقلاب الأوضاع حسب بعض الخبراء الأوروبيين في الساحرة المستديرة فقصة النجاح الكروي الألماني لم تتحقق بين عشية وضحاها..انما جانب من النجاح يرجع الى الاهتمام بتنشئة واحتضان اللاعبين الأشبال بمساعدة من اتحاد الكرة الوطني في التمويل الذي اسهم في خروج مايربو على 350 اكاديمية رياضية للحياة.
ولفريق بايرن ميونيخ مثلا وجهه الفتي بملامح لعديد من اللاعبين الذين كانت تنشئتهم على عين النادي وفي رحابه وهذا التركيز على المواهب المحلية لايمكن ان ينجح الا اذا تحلى المرء بالصبر كما يفعل الألمان الذين يعبرون عن جانب من ثقافة الانتصار في كرة القدم بابداع طريقة جيدة لكرة القدم عبر الأفكار والعمل والالتزام.
والقصة لاتنتهي بولع المغلوب بتقليد الغالب وانما القصة في جوهرها تستدعي تحركا لمعرفة اسباب الهزيمة وحل الأزمة التي تستدعي استجابة على مستوى التحدي وهي مسؤولية النخبة في عالم الكرة المصرية من مدربين وخبراء وصانعي قرارات.
فعجز النخب في أي مجال عن اتخاذ القرارات الصائبة في الوقت المناسب والفشل في تقديم بدائل ملموسة لحل الأزمة يؤدي لأن تسود مشاعر الاحباط- كما يقول السيد ياسين-وهي مشاعر تؤدي بالضرورة الى سلوك عدواني وقد يتطرف هذا السلوك ويتخذ اشكالا من العنف غير مسبوقة.
ولعلها اشارة دالة وكاشفة ان اخفاقات الكرة المصرية في هذا العام الذي يوشك على الرحيل جاءت في ظل خرق نفر من اللاعبين لمبدأ اساسي في عالم الساحرة المستديرة:"لاسياسة في الرياضة ولارياضة في السياسة".
وايا كان منطلق البعض في الدفاع عن هذا اللاعب او ذاك ممن اعتدوا على هذا المبدأ الرياضي فان مصر فوق الجميع كما ان من يحسن قراءة نبض رجل الشارع المصري بمقدوره ان يدرك دون جهد جهيد رفضه لاقحام السياسة في الرياضة او الخلط بين الرياضة والسياسة.
وهذا الرفض طبيعي حتى لاتتحول الرياضة وخاصة كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية الأولى في مصر الى "فائض وجع" بدلا من متعة بريئة في مشهد حياة فيه مايكفي من الأوجاع والمنغصات.
ويبدو أن الوقت قد حان بالفعل في مصر لتفعيل المبدأ الأساسي في عالم الرياضة والمعمول به في كل انحاء العالم وهو:"لارياضة في السياسة ولاسياسة في الرياضة" بعد ان تبين ان الخلط بين الرياضة والسياسة كاد يفسد الرياضة والسياسة معا!.
فالملاعب فضاء للتنافس الشريف وبناء قدرات الشباب وليست ولاينبغي ان تكون منابر سياسة او ارض الاحتراب والتحزب والمكايدات السياسية او رفع الشعارات لصالح هذا الفصيل او ذاك تماما كما انه ينبغي للجميع ادراك ان التنافس في اي مباراة او بطولة دولية تحت علم مصر شرف مابعده شرف لأي لاعب ورياضي مصري.
ولايعني ذلك بأي حال من الأحوال المصادرة على حق اي لاعب في اعتناق مايشاء من اراء وتبني مايهواه ويستهويه من مواقف سياسية ولكن مكان ذلك كله ليس داخل المستطيل الأخضر او الحلبة وانما هناك في الأحزاب السياسية التي يمكن ان ينضم لها هذا اللاعب او ذاك كمواطن وناخب.
أما أندية مصر فلامكان فيها للمكايدات السياسية وانما هي قلاع للوطنية المصرية كما يشهد على ذلك التاريخ وقراءة الذاكرة لناد مثل النادي الأهلي الذي اسس عام 1907 توضح وتجسد مقولة "قلعة الوطنية المصرية" فهو النادي الذي اسس بدعوة وطنية اطلقها الزعيم مصطفى كامل كما انتمى له سعد زغلول زعيم ثورة 1919 وجمع كل اطياف الجماعة الوطنية المصرية وعبر عن نبض الوطن الأسمى فوق كل الأحزاب والأكبر من اي تصنيفات سياسية.
وفريق الأهلي بكل تاريخه العريق لم يصنعه نجم وانما هو صانع النجوم وصاحب الأفضال على الجميع ممن تشرفوا بالفانلة الحمراء وبصرف النظر عن اعتزال هذا اللاعب او ذاك وبعيدا عن اي شخصنة للقضية ينبغي التأكيد على انه لايوجد احد في الأهلي او غير الأهلي فوق الحساب بل ان الثورة الشعبية المصرية بموجتيها انطلقت يوم الخامس والعشرين من يناير 2011 " حتى لايكون هناك احد ايا كان في هذا البلد فوق الحساب والقانون".
ثمة حاجة لاعادة صياغة المجتمع الرياضي المصري بثقافة جديدة هي ثقافة النصر وثقافة متعة الابداع التي تتضمن الفوز وتتجاوزه نحو تحقيق غاية الرياضة ومبتغاها الأصيل اي المتعة البريئة "والسجال الباسل" بعيدا عن النزعة التجارية التسليعية البغيضة او الغرور الشعبوي الذي كاد يطيح بعقول بعض اللاعبين بأوهام نجومية لاتدوم!.
الهزيمة ليست مكتوبة كقدر يحرق الأكباد وانما هناك ثقافة الهزيمة كما ان هناك ثقافة النصر.."الحقائق الحقيقية" لاتتغير ولاتتبدل حتى وان احتجب قرص الشمس احيانا في صقيع الشتاء..فمن يزرع بالجهد والعرق والابداع يحصد النصر..ورغم مؤشرات قلقة مقلقة لاوقت للبكاء فعلم مصر ينتظر المصريين ليرفعوه بسواعد الاخلاص ونفحات الابداع عاليا عاليا.