منذ أيام قليلة ذهبت العظيمة «شادية» إلى جوار ربها حيث تتمنى.. ودعها الجميع صغارًا وكبارًا بالدعاء والدموع رغم ابتعادها عن الأضواء منذ أكثر من ثلاثين عامًا.. ولكننا رغم ذلك لم نشعر بغيابها لأنها ظلت بيننا بأعمالها الفنية الرائعة.. كنا نعتقد أنها ليست من المطربين ذوي الثقل وأنها لا تستطيع إلا غناء الأغنيات البسيطة السلسة، حتى أن الفنان محمد عبدالوهاب وصف صوتها قائلا: «صوت بتعريفة ولكنها تعطيك فن بمليون جنيه»..ولكن أثبت الزمن أنها السهل الممتنع، بعد أن سمعنا أغنياتها بأصوات الكثير من الفنانات الموهوبات فى عصرنا الحالى.. وقد وصفها الأديب العالمى/نجيب محفوظ بعد تجسيدها لبعض رواياته بأنها: «ممثلة عالية القدرة..استطاعت أن تعطى سطور رواياتى لحمًا ودمًا وشكلًا مميزًا..لا أجد ما يفوقه فى نقل الصورة من البنيان الأدبى إلى الشكل السينمائى»..كانت شادية ملهمة فى عطائها وزهدها، منذ بداية مشوارها وحتى وفاتها..وكانت مُقِلة فى الظهور فى اللقاءات التليفزيونية أو الصحفية لذلك لا نجد لها سوى لقاءات نادرة،.. وحين نقرأ عن مشوارها نتعلم أيضًا من والدها الواعى المثقف كيف تكون صناعة النجم، فهو بعد أن شعر بموهبتها أراد أن يثقلها قبل أن تأخذ طريق الاحتراف، فاهتم بأن تتعلم أصول الغناء والمقامات الشرقية وكيفية نطق الألفاظ على يد أحد أصدقائه.. وبعد أن اقتنع بعملها بالسينما قرر أن تقضى شهرين متنقلة بين دور السينما لكى تشاهد أكبر عدد من الأفلام، وتكون لديها فكرة عن التمثيل، فكانت تذهب إلى السينما يوميًا لتشاهد الأربع حفلات، ولا تعود للمنزل سوى لتناول الغذاء.. ثم ساعدها بعد ذلك على زيارة الاستديوهات لكى تتعود على تلك الأجواء وتكسر رهبتها.. وبعدها اصطحبها وهى فى بداية مشوارها إلى بيت كوكب الشرق حتى تأخذ النصيحة منها..استمرت رحلة عطاء شادية أربعين عامًا تقريبًا، ثم قررت الابتعاد عن الحياة الفنية بكل ما فيها من صخب وشهرة ونجاح، ورغم إصراراها على عدم العودة للأضواء رغم كل الإغراءات، لكن البعض اخترقوا عزلتها وخصوصيتها وحاولوا اقتناص صور لها ونشرها بعد وفاتها، دون احترام رغبتها قبل اعتزالها حيث قالت: «لا أحب أن يرى الناس التجاعيد فى وجهى..ويقارنوا بين صورة الشابة التى عرفوها والعجوز التى يشاهدونها.. أريد أن يظل الناس محتفظين بأجمل صورة لى عندهم.. ولهذا لن أنتظر حتى تعتزلنى الأضواء وإنما سوف أهجرها فى الوقت المناسب قبل أن تهتز صورتى فى خيال الناس».. ورغم ذلك لم نر فى صورتها الأخيرة التى ظهرت فيها ضاحكة سوى البهجة والجمال والنقاء.. كانت أعز أمانيها رغم ما نالته من شهرة ومجد وحب الملايين، هو حلم الأمومة.. وقد تم تداول صورة قديمة من مجلة الكواكب سألت فيها «ما هى أكبر أمنية لك لا يعرفها الناس».. فأجابت بخط يدها: «بأن يكون عندى دستة من الأطفال عندما أبلغ سن الخمسين».. ربما حرمها الله من حلم الأمومة، ولكننا لم نر فى عينيها سوى الرضا، ولم يحمل صوتها إلا البهجة، وعوضها الله بمحبة أبناء أشقائها الذين مارست معهم الأمومة.. كل العزاء لأسرة الرائعة شادية رحمها الله، وعلى رأسهم ابنة شقيقها الصديقة الغالية الفنانة التشكيلية الراقية/ناهد شاكر، والتى أخذت منها روحها وملامحها والبهجة التى تنقلها أينما حلت..وستظل «شادية» باقية بصوتها العذب وأعمالها المتنوعة وفنها الراقى ونفسها التقية وسيرتها النقية.
آراء حرة
ملهمة في عطائها.. وزهدها
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق